“قلب خاض المعارك وحده وانتصر (قصة واقعية)”


بقلم علي قيس زبار لـوكالة : أرض آشور الإخبارية –
تعرفت مؤخراً على فتاة لفتتني قصتها حد الذهول، وأتحفظ عن ذكر اسمها احترامًا لخصوصيتها، لكن شيئاً في داخلي دفعني أن أكتب عنها. ليست حكايتها مجرد سرد عابر، بل هي رواية إنسانية تشبه نهراً جارفاً، مليئة بالفقد والصبر والإصرار.
امرأة عراقية في الثانية والثلاثين من عمرها، واجهت ما يكفي ليثقل كاهل أي قلب، لكنها لم تستسلم، ولم تسمح للحياة أن تكسرها. فقدت والدها، ثم خطف الموت منها زوجها في لحظة غادرة، لتجد نفسها وحيدة في مجتمع لا يرحم الضعف ولا يترك للمرأة إلا خيارات ضيقة. ومع ذلك، لم تهزمها الفاجعة. جلست مع نفسها ذات ليلة، والدموع تغسل وجنتيها، وقالت بصوت متهدج: “سأمضي.. ولو وحيدة.”
وبالفعل، نهضت من تحت الركام، وكأنها تقاوم لتثبت للعالم أنها أقوى مما يظنون. أكملت دراستها الجامعية رغم العوائق، وتخرجت حاملة شهادة البكالوريوس. لم يكن الأمر سهلًا، لكن كل ورقة، كل كتاب، كل امتحان كان بمثابة سلاح ترفعه في وجه واقع قاسٍ.
لم تكتف بذلك، بل عملت في معمل، ثم في الشركات ، متحملة صعوبة الساعات الطويلة وتفاصيل يوم لا يعرف الراحة. كانت تكد وتتعب، لكنها لم تفقد الأمل الذي يضيء قلبها: أن تكون صاحبة قرار، أن تملك زمام حياتها، وأن تصنع لنفسها مكاناً لا يهتز أمام العواصف.
غير أن الطريق لم يكن مستقيماً. كثيرون حاولوا استغلالها، بعضهم ارتدى ثوب الناصح، وبعضهم الآخر جاء بوعود براقة تخفي خلفها طمعاً أو خداعاً. تعرضت لمحاولات نصب واحتيال، لكنها لم تسمح لخيباتها أن تطفئ عزيمتها. كانت تسقط وتنهض، تجرح وتتعافى، لكنها كل مرة تخرج أقوى، وكأن الله يعلمها درساً جديداً في الصبر والثبات.
كانت تردد دائماً: “الله لا يتركني.” وحقاً، لم يتركها. ففي كل منعطف مظلم كانت تجد يداً تمتد لتعينها، أشخاصاً غرباء أو أصدقاء يظهرون في اللحظة المناسبة، وكأن السماء ترسل لها رسائل طمأنينة تؤكد أنها ليست وحدها في هذه المعركة.
واليوم، وهي تقف على أعتاب مرحلة جديدة من حياتها، لم تعد تلك الفتاة المكسورة التي عرفها الحزن. صارت امرأة صلبة، تعرف أن الألم قد يعيد تشكيلنا من الداخل، وأن الطموح لا يُقاس بما يمنحه لك الآخرون، بل بما تصنعه أنتِ بإصرارك وصبرك.
رسالتي إليها:
إلى تلك الفتاة التي قاومت وانتصرت على قسوة الأيام، أقول لكِ: إنكِ لستِ مجرد امرأة عادية، بل معجزة صغيرة تمشي على الأرض. كل ما مررتِ به لم يكن عبثاً، بل إعداد لروحكِ كي تصبحي كما أنتِ اليوم: قوية، واثقة، حرة. لا تسمحي لأحد أن يُشكك فيكِ أو يطفئ نوركِ. تذكري دائماً أن الله اختاركِ لتكوني شاهدة على أن الانكسار لا يعني النهاية، بل بداية لرحلة أكثر إشراقاً. امضي بطموحك، وكوني صاحبة القرار الذي حلمتِ به، فأنتِ أكبر من كل محنة، وأجمل من كل حزن، وأقوى من كل سقوط.