في الساحل السوري.. مفهوم جنسي وآخر اجتماعي .. !


حسين الذكر…
( العِير ) جاءت في القران الكريم فصحى ذات معنى واضح تعني ( القافلة ذات الاحمال ) وهي نادر ما تستخدم في النصوص الادبية والصحفية وحتى الفقهية .. وقد سالت قبل سنوات احد المختصين عن هذه المفارقة فقال : ( ذلك لاسباب اجتماعية ) فالاعراف احيانا لها قوة توقف استخدام مصطلح او حكم ما .
قبل سنتين وجهت دعوة من قبل الاخوة الادباء في الساحل السوري لالقاء محاضرة عن (التوظيف الاعلامي في عصر الانترنيت) لم يكن مضمون المحاضرة له اي علاقة بالنظام والسياسة القيتها بحضور نخبوي كثيف برغم الاوضاع العصيبة التي يعيشها السوريين وبناء على الاستساغة دعيت ان اعيد المحاضرة في طرطوس وجبلة ..
في اللاذقية اصر احد المستمعين على عزيمتي في بيته للغداء وقد عرفني بنفسه وزوجته استاذين جامعيين ولديه شابين جامعيين . وصلت داره التي تبين انها شقة متواضعة بعفش ( اقسم بالله ان الشغيلة الاجانب في بعض البلدان العربية يعيشون بافضل منه ) . وقد دعى اقاربه وقدموا لي وجبة بسيطة خالية من ( المشمر والمحمر ولحوم الخرفان والعجول ) الا انها تحمل نكهة غذاء حضاري صحي سابقى اتذوقه طوال العمر باجواء ادبية اخوية عامرة لم نتظرق فيها عن السياسة ولا صعوبة احوالهم المعاشية او الكهرباء المقطوعة ليل نهار .
في اليوم الثاني زرت طرطوس حيث حاضرت في مقر اتحاد الكتاب والادباء العرب وكان المقر في شقة بسيطة جدا اكتفوا بتقديم الشاي والماء وباقة ورود ثم تفاعلوا بما القيت بنقاشات ادبية فلسفية خالصة دون الاشارة الى السياسة كما لم يحل انقطاع الكهرباء عن مواصلة جلستنا النخبوية بافكار انسانية حضارية .
في اليوم الثالث اصطحبوني الى جبلة تلك المدينة الساحلية الجميلة الغافية على شواطيء بحر عميق هادر حزين وقد لفت نظري رجل ستيني في حديقة عامة ينظف اشجارها ويسقي الزرع بخرطوم متعبا اكثر منه .. اقتربت سائلا : ( هل انت موظف هنا ) . فقال : ( لا لكن من ابناء المنطقة ويعز علي ان اترك حديقتنا بهذا الحال فهي جزء من حضارة وهوية المدينة ) .
في صباح اليوم الاخير في الساحل مررت على الحديقة باكرا فوجدته يعمل بهمة فاخرجت مائة دولار كانت كل ما امتلك ودسستها بجيبه عنوة بعد ان رفض قاطعا اخذها .. رجوته بالاخوة ان يقبلها فوافق بشرط ان يعزمني على شاي وخبز جلست معه في الحديقة تحت ظل احد الاشجار وبدائرة زهور نضرة عشت نصف ساعة معبرة جدا تعلمت منه معنى المواطنة والحرص على ممتلكات الصالح لعام .
في جبلة المدينة التي شعرت يلفها حزن ما عميق برغم جمالها الآخاذ كانها تستنبأ واقعا دمويا آت .. كانت محاضرتي في حديقة بيت دعي لها الاصدقاء انتهت بنقاشات مذهلة مع اشخاص تحلوا بالفكر والادب الوعي برغم ما اعتصرهم من سوء معاشي وخدماتي .. بعد انتهاء المحاضرة طلبت ان اتعشى فلافل فذهبنا لمحل صغير مزدحم بالزبائن وقد طلب مرافقي وجبتنا وذهب يهيأ لنا مقعدين .. بهذه الاثناء التفت الي العامل مجهز الطعام قائلا : ( استاذ تريد عيران ام واحد )؟! .. وقد بهتت وسكتت حرجا بلا اجابة .. لم افهم معنى كلمته الا بعد ان جاء لنا بسندوجيتي فلافل ومعها قنينتي لبن اتضح انها هي المقصود بمفردة ( عيران ) !




