العراق الرقمي بين الفوضى والتنظيم: إلى أين؟


بقلم الدكتورة/ نادية الجدوع
خبير سنراتيجي..
يشهد العراق اليوم توجهًا حقيقيًا نحو التحول الرقمي، يدعمه الكمّ الهائل من المستخدمين والعوامل المؤسسية الداعمة. ففي أوائل عام ٢٠٢٥، وصل عدد مستخدمي الإنترنت في العراق إلى ٣٨ مليون شخص، ما يعادل نسبة اختراق قدرها ٨١.٧٪ من إجمالي السكان DataReportal – Global Digital Insights. كما بلغ عدد الهويات على وسائل التواصل الاجتماعي نحو ٣٤.٣ مليون، ما يشكّل ٧٣.٨٪ من السكان DataReportal – Global Digital Insights.
على مستوى البنية التحتية، تبلغ تغطية شبكة الجيل الرابع (4G) في العراق نسبة ١٠٠٪، وتغطية الجيل الثالث (3G) نحو ٩٩.٢٨٪، بينما تصل سرعة الاتصال بعرض الحزمة العريضة إلى ١١.٦٧ ميجابت/ثانية، مع توقع أن تصل نسبة الأسر التي تتمتع بالإنترنت المنزلي إلى ٦.٢١ مليون في عام ٢٠٢٥ Statista. كما يسير مشروع “شبكة طريق الحرير للبيانات” عبر العراق بخطى ثابتة، حيث أصبح الطول الكلي للألياف الضوئية ٣٥٠٠ كيلومتر بحلول الربع الأخير من عام ٢٠٢٣، مما يسهم في تعزيز الربط بين أوروبا وآسيا عبر العراق وتخفيض زمن التأخير إلى حوالي ٧٠ ملي ثانية Wikipedia.
لكنّ الرقمنة لم تواجه فقط التحديات التقنية، بل اصطدمت أيضًا بضعف البنى التحتية الرقمية، وضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، وتشتت المعلومات. في عام ٢٠٢٤، حلّ العراق بالمركز ١٤٥ من أصل ١٩٣ دولة ضمن مؤشر تنمية الحكومة الرقمية للأمم المتحدة، ما يعكس الحاجة الماسة لتطوير المنظومة التشريعية وتقوية الأمن السيبراني ouriraq.org.
هنا يبرز دور المبادرات الوطنية مثل:
• المؤشر الوطني للتحول الرقمي المؤسسي (NIDTI)، و
• المؤشر الوطني لجاهزية الأمن السيبراني (NCSRI)
اللذان يوفران أدوات قياس موضوعية ومدعومة بمعايير ISO 38500 وISO 20000، ويمكّنان من تنظيم الجهود وتقييم النتائج بدقة. الملكية الفكرية لهذه المؤشرات تعود للدكتور أيمن قاسم إبراهيم، في خطوة تُعدّ سابقة مهمة في المشهد الرقمي العراقي.
باختصار، تُعبّر الإحصاءات الحديثة عن وجود قاعدة رقمية واعدة في العراق، لكنّ التطور الحقيقي يتطلب ترجمة هذه البيانات إلى تخطيط استراتيجي، وحوكمة فعّالة، وتحول مؤسسي شامل يقود البلاد من الفوضى الرقمية إلى مرحلة تنظيمية تقود نحو الكفاءة والشفافية.