

محمد فاضل الخفاجي /-
لا يخفى على المراقب للشأن العراقي حجم التحديات التي يواجهها في مسيرته نحو التنمية والازدهار، وفي مقدمتها آفة الفساد التي تنخر في مؤسسات الدولة وتقوض ثقة المواطنين. وفي هذا السياق المعقد، يبرز الإعلام كقوة فاعلة وشريك أساسي في جهود تعزيز النزاهة ومكافحة هذا الداء المستشري.
فكيف يمكن لوسائل الإعلام العراقية أن تضطلع بهذا الدور المحوري بكفاءة واقتدار؟ هذا ما سنبينهُ في هذا المقال.
1. الكشف عن بؤر الفساد عبر التحقيقات الاستقصائية:
تمثل الصحافة الاستقصائية خط الدفاع الأول في مواجهة الفساد. من خلال التقصي الدقيق والتحليل المعمق للوقائع، يمكن لوسائل الإعلام الكشف عن ملفات الفساد المستترة وفضح المتورطين فيها، بغض النظر عن مناصبهم أو نفوذهم. يتطلب ذلك تبني معايير مهنية عالية، وتوفير الحماية للصحفيين الاستقصائيين، وتشجيعهم على الخوض في هذه الملفات الشائكة.
2. بناء وعي مجتمعي بمخاطر الفساد:
لا يقتصر دور الإعلام على الكشف عن الفساد، بل يمتد ليشمل توعية الجمهور بمخاطره وآثاره المدمرة على مختلف جوانب الحياة. من خلال البرامج التثقيفية، والمقالات التحليلية، والحوارات الهادفة، يمكن لوسائل الإعلام أن ترفع مستوى الوعي لدى المواطنين، وتحفزهم على المطالبة بالشفافية والمساءلة، والمشاركة الفعالة في جهود مكافحة الفساد.
3. تفعيل آليات المحاسبة عبر الضغط الإعلامي:
يمتلك الإعلام قوة ضغط هائلة يمكن توظيفها لمساءلة المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد. من خلال تسليط الضوء المستمر على هذه القضايا، ومتابعة الإجراءات القانونية المتخذة بشأنها، يمكن للإعلام أن يدفع الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.
4. ترسيخ مبادئ الشفافية والإفصاح عن المعلومات:
تلعب وسائل الإعلام دوراً حيوياً في تشجيع المؤسسات الحكومية على تبني مبادئ الشفافية والإفصاح عن المعلومات للجمهور. من خلال مطالبة المؤسسات بالكشف عن ميزانياتها ومشاريعها وإجراءاتها، يمكن للإعلام أن يعزز المساءلة ويقلل من فرص التلاعب والفساد.
5. تحديات جمة وضرورة التكاتف:
لا شك أن الإعلام العراقي يواجه تحديات كبيرة في سعيه لأداء هذا الدور، بدءاً من الضغوط السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى التهديدات التي يتعرض لها الصحفيون. لذا، يتطلب الأمر تضافر جهود المؤسسات الإعلامية، والجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، لخلق بيئة مواتية لعمل إعلامي حر ونزيه ومسؤول.
6. الإعلام الرقمي كأداة واعدة:
في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، يكتسب الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي أهمية متزايدة في جهود مكافحة الفساد. توفر هذه المنصات مساحة أوسع للتعبير عن الرأي، وتبادل المعلومات، وكشف المخالفات، ولكنها تتطلب أيضاً ضوابط ومعايير لضمان مصداقية المعلومات ومكافحة الأخبار الكاذبة.
إن الدور الذي يضطلع به الإعلام في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في العراق ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لبناء دولة قوية ومزدهرة. من خلال تبني أعلى المعايير المهنية، وتكريس جهوده لكشف الحقيقة وتوعية الجمهور، يمكن للإعلام العراقي أن يكون سداً منيعاً في وجه الفساد، وشريكاً فاعلاً في بناء مستقبل أفضل لجميع العراقيين.