أشعار

حين انكشف الغطاء

بدأ السرُّ ينبض في عروقي
ويهمس بالاسم الأعظم
اهتزت كلماتي راكعةً، ساجدةً
وفوق جبهتي، مكتوبٌ سرُّ الغيبةِ الأولى
جاء فرجه القريبُ، وفيه أمرُه
إلا واحدةٌ كلمحِ بالبصر،
أنقشُ أسراره كلماتٍ على جدار الكنزِ العظيم
وتحته محفوظ إرثي منذ الأزل

لم يكن صوتُه نبرةَ صوتٍ عابرٍ،
بل كانت همساتٌ تتدفّقُ بين أنفاسي الرحمانية
ورأيتُ نوره وديعةً، يتجلّى في سلامِ الإنسان
في حركة ذرّاتِ الأكوان
وكلُّ شيءٍ مقدَّرٌ عنده بحسبان

في انحناءةِ هامتي لوجهِ العظيم الكبيرِ المتعال
ناداني إلهُ الحبِّ والسلام
من مقامٍ لا يُدركُ إلا باستحضارِ الروحِ
وأنا في حضرةِ الإله الفسيح
قال لي:
أنا الرحمن… كلمتي الحبُّ ألقيتها عليكِ يا مريم
أنا ينبوع الحنان… ستتلاشى أمامكِ حجب الغيب الآن
أقبلي إليَّ كما أنتِ،
عاريةً من الشهوات
أنا الذي كملتكِ إنسانةً كاملةً عارفةً
تعرفين بأن طريق العرفان
لا تسلكينه وحدكِ
أنا النورُ المقيمُ حولكِ، وفيكِ، ومعكِ
أهديكِ سُبُلَ السلام

فأغمضتُ عيني
أتأمّلُ قُربَه منّي، فدنوتُ منه، فتدلّى منه النور
فوصلتُ إلى مقام القربى، قاب قوسين أو أدنى

فرأيتُ على يديه أسرارَ العجب والعُجاب
ومضيتُ أنسجُ حروفي خوارزمياتٍ كونيّة
أنهَلُ من فيضِ بحورِ علّامِ الغيوب
من علمِ الكتاب المستفيض
كلمةُ الحق منه برهان

أسيرُ بين مقاماتٍ لا تُقاسُ بمسافاتِ المكان
ولا بوحداتِ الزمن
بل في ومضةِ التجلّيات

هناك، إلى ما وراءَ حُجُبِ الغيب
رأيتُ الزمانَ كلَّه يتجلّى في ساعةِ الصفر
ويكتبُ قلمي من نورِ الإله
على أسطحِ الأرض:
أنا عبدُ الله النور

رأيتُ اللوحَ لا يزالُ يقطرُ عليه من الحبرِ الأوّلِ القديم
والقلمَ الإلهي تدورُ حوله أفلاكُ الكواكبِ والنجوم
حين يكتبُ: “يا هو، يا هو، يا هو”
أسرارُ الحروفِ والكلماتِ لا تليقُ إلا به… به… به

يخطُّ قلمي، المعهودُ منه، حروفَ أسمائه
بنسيمِ عباراته، أحاديثَ قدسيّةً

وسمعتُ صوتَه بالاسمِ الأعظم،
يتحكّمُ ويحرّكُ الأشياءَ كما أُحسّ، وأرى، وأرجو
وما زلتُ أحلم وأتمنّى أنطلقُ مرارًا
نحو السماء، وألتقي بأهلي العرفاء
فكلُّ زهرةٍ تحيا في بستانِ الجِنان
وكلُّ قطرةِ ماءٍ تُسبّحُ في عمقِ محيطِ الإله
وبعد الهبوط، تصعدُ إلى مركزِ خزائنِ العطاء
تبحثُ عنه بين القافِ والنون
تجاوزتُ آثارَ المسافرِ العابرِ حدودَ حُجُبِ الغيب

وبعدما انكشف الغطاء

ها أنا ذا… شمسٌ جُمِعت بالقمر
حرفٌ يتجلّى في سماءِ العشّاق
ولحنُ عشقٍ يصبو إلى سمفونيته الإلهية
ونقطةُ لونٍ شفّافٍ تتدلّى من عصارةِ
رحيقِ زهرةِ الروح

وبعد رحلةِ سفر الروح:
يسألوني: من أنتِ يا دنيا؟
فقلتُ له:
أنا وأنتَ روحٌ جمعتها في نفخةُ الحب
تركيبةٌ لا يمسّها إلا من أناب وذكر
اسمُك الرحمن، في فصولِ العشق
رموزُ آيةٍ سرُّها في قلبي مكنون، لها أثر
تجلت أنوارُها… يحملُ عرشَ ربّك فوقهم
يومئذٍ ثمانية

القصيدة النثرية: بقلم الأميرة الهاشمية دنيا صاحب الحسني – العراق
اللوحة الفنية: للفنان التشكيلي إياد الموسوي – العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار