رمضان مدرسة الأخلاق التي تُعيد صياغة الإنسان ( من الجوع إلى القيم الرحلة الأخلاقية لكي نُحي الأخلاق في زمن اللامبالاة)
بقلم / نصير العبيدي ابن العميد

رمضان أكثر من شهر للصيام .. رمضان ليس مجرد شهر للامتناع عن الطعام والشراب من الفجر الى المغرب ..بل هو محطة سنوية تُعيد تشكيل وعي الإنسان وتذكره بقيم ربما غابت في زحام الحياة انه مدرسة مفتوحة لثلاثين يوماً يُدرس فيها الإنسان نفسه دروسا ًفي الأخلاق ويختبر قدرته على التحول من الداخل فكيف يصنع رمضان هذه المعجزة الأخلاقية
الجوع بوابة التعاطف أول درس في مدرسة رمضان هو التعاطف حين يجوع الصائم نفسه يذوق و لو لساعات ما يعيشه الفقير كل يوم
هذة التجربة ليست شعورا ً عابرا ًبل هي تمرين عملي من دائرة الذات إلى رحابة الآخر اى اتساع النفس الذي يتمتع بالصبر والتحمل والاستقامة في مواجهة الصعوبات والتحديات يقول النبي صلى الله عليه وسلم
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخارى فالصيام هنا ليس حرمانا ً جسديا ًبل تذكير بأن أخلاق التعاطف شرط لإخلاص العبادة السيطرة على الذات تدريب على الحرية في زمن تحفزه الشهوات وتسيطر علىه الماديات يأتي رمضان ليعلمنا أن الحرية الحقيقية تكمن في القدرة على ضبط النفس الامتناع عن الغيبة و النميمة والغضب وحتى النظرات المحرمةوإن كان الجسد صائما ً هو انتصار للإرادة الإنسانية كما يقول الإمام الغزالى (( الصوم عبادة السر لأنه قهر للطبيعة الخفية)) هنا يتعلم الإنسان ان الأخلاق ليست قيوداً بل اجنحةتحرره من عبودية الأهواء التضامن الاجتماعي
عندما تصبح القيم طقوسا ً جماعياً رمضان هو الشهر الوحيد الذي تتحول فيه الأخلاق الى ممارسة جماعية فالسحور و الإفطار يجمعان الأسر
و الصدقات تتدفق وصلاة التراويح تصف المصلين جنبا ً الى جنب
حتى أن بعض الدراسات تُشير إلى نسبة التبرعات في رمضان ترتفع بنسبة 40% مقارنة بباقي الأشهر هذه الطقوس ليست عادات اجتماعية
بلهي تعزيز عملي لقيم التكافل التي تجعل من الأخلاق سلوكا ً مرئياً لا شعارات مجردة تطهير الروح كيف يُصبح الصيام مرآة الذات
في خضم الحياة السريعة نادراً ما يجد الإنسان وقتاً لمراجعة ذاته
لكن رمضان يفرض عليه ذلك عبر المحاسبة اليومية فالصائم يسأل نفسه كل ليلة .. هل احسنت اليوم؟ هل تجنبت الظلم؟ هل كنت صادقا ً؟
هذه الاسئلة التي يجيب عنها بضميره هي جوهر التربية الأخلاقية
يقول الله تعالى ف كتابه الحكيم (( يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) البقرة 183
فالتقوى هنا ليست خوفا ًمن العقاب بل رقابة داخلية لتصحيح المسار
هل تتخرج من المدرسة مع استمرارية الأخلاق بعد رمضان؟
التحدي الأكبر الذي تطرحه مدرسة رمضان هو كيف نحافظ على الأخلاق التي اكتسبناها بعد انتهاء الشهر الفضيل هنا يتحول رمضان من موسم ً عابرً الى مشروع دائم فالصدقة التي بدأها الصائم في رمضان يجب ان تستمر
التحكم في اللسان الذي تدرب عليه شهراً لا يُعقل ان يزول التعاطف مع الفقير ليس مرتبطاً بزمن محدود كما يقول الشاعر /
إذا كان رمضان مدرسة الأخلاق
فلا تخرج منها إلا وأنت أديب
رمضان مدرسة مؤقتة بزمنها لكنها دائمة باثارهافهو يُذكرنا ان الإصلاح الأخلاقي يبدأ من إرادة الفرد لكنه لا يكتمل إلا بتحوله ثقافة مجتمعية، ففي عصر يروج للفردية واللامبالاة، تبقى القيم الرمضانية أجابه على سؤال
((نُحيي إنسانيتنا عندما تُغرينا الحياة بنسيانها)) رمضان ليس حدثاً سنوياً، بل نسترشد به كلما اغلقت أبواب الضمير .