ماذا يرث العراقيون إذا مات المسؤول؟


*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
يستيقظ العراقي صباحًا على خبر عاجل وفاة المسؤول الفلاني بعد صراع طويل مع… السلطة! يترحم البعض، يتشفّى آخرون، بينما يجلس المواطن العادي يحتسي شايه ويتساءل ببرود طيب… وإحنا شنو راح نرث من وراه؟
في معظم البلدان، عندما يتوفى مسؤول، تُذكر إنجازاته، تُبنى له التماثيل، وربما تُطبع صورته على العملة. أما في العراق، فالإرث مختلف تمامًا: مشاريع متوقفة، جسر غير مكتمل، حي سكني بلا ماء، وموازنة عامة نُهبت حتى آخر فلس! نعم، العراقيون يرثون قوائم طويلة من “كان المفروض”، و”سنعمل على”، و”المشاريع قيد التنفيذ” التي لا تُنفَّذ أبدًا.
أحد أهم الأمور التي يرثها العراقيون عند وفاة المسؤول هو العائلة السياسية الممتدة . فبمجرد أن يُدفن الفقيد، تبدأ معركة نقل السلطة إلى الابن، أو الصهر، أو حتى السائق الشخصي إذا استدعى الأمر! وبهذا، تصبح السلطة العراقية وكأنها عقارات للبيع بالتقسيط ، تنتقل بسلاسة من جيل إلى آخر دون الحاجة إلى مناقصات أو انتخابات نزيهة.
عندما يموت مسؤول، يصبح فجأة رمزًا وطنيًا ، حتى لو كان معروفًا بسرقة البلاد وإفقار العباد. تُكتب عنه المقالات المطولة، تُقام له المجالس الفخمة، ويصبح حديث التلفزيونات: كان مثالًا للنزاهة، والإخلاص، والوطنية… بينما في الخلفية، المواطن يتساءل إذا كان كلهم نزيهين… ليش البلد هيج؟
الإرث المالي لأي مسؤول راحل يمكن تلخيصه في جملة واحدة عجز في الميزانية، ديون متراكمة، وخطط تقشفية جديدة. لا أحد يسأل كيف دخل المسؤول فقيرًا وخرج بمليارات، لكن الجميع يعرف أن المواطن سيُجبر على تعويض النقص بضرائب جديدة وأسعار مرتفعة.
ومن الإرث الذي لا يزول المشاريع الوهمية التي بدأت ولم تُكمل، الطرق التي تُفتتح إعلاميًا لكنها تغرق مع أول مطرة، والمستشفيات التي تظل تحت الإنشاء حتى تُصبح من التراث الوطني. العراقيون يعرفون أن كل مشروع جديد سيصبح قريبًا ذكرى جميلة لم تُنفَّذ.
*الفقيد في الجنة.. والناس في الجحيم*
بعد انتهاء مراسم العزاء الرسمي، يُعلن المقدم في التلفزيون عن مشاريع خيرية تحمل اسم الراحل. المدارس تُسمى باسمه، الشوارع كذلك، وربما حتى القمامة المتراكمة في الأزقة تصبح من إرثه. ولكن، على الأرض، المواطن لم يرث سوى مزيد من المشاكل، والتصريحات الفارغة، والوعود التي تموت مع المسؤول… وتُبعث من جديد مع خليفته
في النهاية، العراقيون يعرفون أن إرث المسؤول لا يتعدى قائمة طويلة من الأحلام المؤجلة، والحقوق الضائعة، والمسرحيات السياسية التي لا تنتهي. ومع كل جنازة، يستعدون لحلقات جديدة من مسلسل من سيجلس على الكرسي؟ مع إدراك عميق أن الإجابة دائمًا… ليست لصالحهم!