منوعات

الثقة بالنفس اختيار ام مزية يولد بها البعض؟؟

كتبت :رباب طلال مدلول
اليوم، بينما كنتُ أمشي في الجامعة،بعدما كنتُ قبلها برفقة احدى زميلاتي، فتاة اعتبرها جميلة، راقية، ذات هدوء مميز، تعيش في مركز المدينة وسط عائلة ثرية ومثقفة، أما أنا، فأتيتُ من الريف، أرى نفسي أقل منها في كل شيء: في الجمال، في المكانة الاجتماعية، في الرشاقة، وحتى في الشخصية،كنتُ أشعر بأنني تافهة وطفولية،مليئة بالأخطاء، وحين افترقنا، اجتاحني شعور ثقيل بانعدام الثقة بالنفس، شعور غريب، كأنه يثقل روحي ويجعل خطواتي اثقل، وكأنني أحمل على كتفي حملاً لا يُرى،
لكن فجأة، وسط هذا الثقل، توقفتُ وسألتُ نفسي: لماذا أشعر بهذا؟ ما مصدر هذا الشعور؟ هل أكره نفسي حقًا؟ هل أنا بالفعل أقل منها؟ أم أن هذه الفكرة زُرعت بداخلي اثر تعليقات المجتمع الذي اعيش فيه؟ بسبب معايير مجتمعية جامدة لا ترحم؟ لماذا أهتم بكل هذا؟ لماذا أرى وزني الزائد مشكلة؟ ولماذا أشعر بالخجل من بساطة منزلي وحياتي؟ لمن أحاول أن أُثبت قيمتي؟ ومن هؤلاء الذين أريد أن أنال إعجابهم؟ وهل أرغبُ حقًا في ذلك؟ ، ففكرت حينها ما الذي يجعلنا نشعر بالدونية؟
ما شعرتُ به لم يكن مجرد إحساس عابر، بل حالة نفسية معروفة في علم النفس تُسمى “متلازمة الدونية” (Inferiority Complex)، وهي مفهوم قدمه عالم النفس ألفريد أدلر ، حيث يرى أن المجتمع يزرع فينا شعورًا بالنقص منذ الصغر عبر المقارنات المستمرة والتوقعات غير الواقعية، وهذا الشعور يتراكم مع الوقت، ليصبح كأنه جزء من هويتنا، رغم أنه ليس كذلك في الحقيقة،
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Personality and Social Psychology، فإن تقدير الذات ليس سمة ثابتة، بل هو معتقد معرفي مكتسب (Learned Cognitive Belief)، أي أنه ليس أمرًا يولد معنا، بل يُبنى ويتغير وفقًا للبيئة التي نعيش فيها والتجارب التي نمر بها. هذا يعني أن انعدام الثقة بالنفس ليس حتميًا، بل يمكن تغييره، إذا وعينا مصدره وقررنا مواجهته

هل نحن ضحايا المقارنات اللانهائية؟
منذ الصغر، يُمطرنا المجتمع بصور نمطية للجمال والمكانة الاجتماعية المثالية، مما يجعلنا نشعر بالدونية إذا لم نكن ضمن هذه المعايير. هذا ما يُعرف في علم النفس بـ “التحيز المعرفي للجمال” (Beauty Bias)، وهو مفهوم يؤكد أن الأشخاص الأكثر جاذبية يحصلون غالبًا على فرص أفضل في الحياة، مما يرسّخ فكرة أن المظهر الخارجي يحدد قيمة الإنسان،
لكن هل هذا صحيح؟ هل الجمال والثروة هما المقياسان الوحيدان للقيمة؟ وهل نريدُ حقًا أن نقضي حياتنا ونحن نحاول إرضاء معايير وُضعت لنا دون أن نشارك في صياغتها؟
إعادة برمجة العقل: الثقة بالنفس اختيار
في تلك اللحظة، تحت المطر، أدركتُ شيئًا جوهريًا: أنا لستُ مضطرة للالتزام بهذه المعايير. لستُ مجبرة على أن أكون نحيفة حتى أكون جميلة، أو ثرية حتى أكون ذات قيمة. امتلاكي لبضعة كيلوغرامات زائدة لا يجعلني أقل، ولا عيشي في الريف يقلل من شأني. قيمتي ليست مرهونة بالمقاييس التي وضعها المجتمع، بل بما أراه أنا في نفسي، في علم النفس، هناك أسلوب علاجي يُعرف بـ “إعادة تأطير الأفكار” (Cognitive Reframing)، وهو جزء من العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، حيث يساعد الإنسان على تغيير طريقة تفكيره حول ذاته والظروف المحيطة به. بدلاً من أن يرى الشخص نفسه من خلال عدسة سلبية فرضها المجتمع، يمكنه إعادة صياغة نظرته لنفسه بطريقة إيجابية وصحيحة
في تلك اللحظة، قررتُ أن أختار رؤية نفسي كما أنا، لا كما يريدني الآخرون أن أكون. لدي شخصيتي الفريدة، أفكاري، كتاباتي، ذوقي المختلف، وكل هذه الأشياء تجعلني مميزة. أدركتُ أن الثقة بالنفس ليست شيئًا يُمنح، بل شيئًا يُختار.
كيف نبني ثقة حقيقية بالنفس؟
1. التوقف عن المقارنة: المقارنات المستمرة تقتل الثقة بالنفس، لأنها دائمًا غير عادلة، فكل شخص لديه نقاط قوة وضعف
2. تقدير الجوهر قبل المظهر: الأخلاق، الذكاء، اللطف، والروح الجميلة أهم من أي مقاييس خارجية
3. إعادة برمجة العقل: من خلال التأكيدات الإيجابية (Positive Affirmations) وإعادة تأطير الأفكار (Cognitive Reframing)، يمكننا تغيير منظورنا لأنفسنا
4. الامتنان للذات: بدلاً من التركيز على ما نفتقده، لنقدر ما نملكه، لأن الامتنان يعزز الرضا والسعادة الداخلية
وفي النهاية، أدركتُ أنني لا أحتاج إلى إثبات قيمتي لأحد. الثقة بالنفس ليست وراثية، وليست حكرًا على الأغنياء أو أصحاب الجمال المثالي. إنها اختيار شخصي، قرار داخلي بأن ترى نفسك كما تستحق، لا كما يريدك المجتمع أن تكون. وذات يوم، سيأتي من يراك كما ترى نفسك، فريد، مميز، وتستحق التقدير والحب تمامًا كما أنت

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار