احمد الطيب :-
**************
بمناسبة شهر رمضان المعظم من كل عام يحتشد أهالى السويس داخل مسجد الغريب ليؤدوا شعائر شهر رمضان المبارك لما لهذا المسجد من روحانيات يعيشها أهالي السويس فى هذه الأيام المباركة أعادها الله عليهم وعلينا وعلى قادتنا وجيشنا العظيم بالخير واليمن والبركات.
ومسجد عبدالله الغريب يعتبر أحد أقدم المساجد التاريخية فى مدينة السويس ولذلك فقد أطلق عليه الكثيرون من الأهالي ببلد الغريب الذى عرف بالتقوى والزهد.
إذن من هو هذا الغريب ؟
الغريب هو : أبو يوسف بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عماد، وهو قائد عسكري بارز عُرف بشجاعته في محاربة القرامطة الذين اعتدوا على الحجاج ونهبوا المقدسات الإسلامية بما في ذلك سرقة الحجر الأسود من الكعبة المشرفة.
* وجاءت تسميته بـ “الغريب” لأنه لم يكن من أهل السويس، بل كان غريبًا عن هذه الأرض، وقد برز أبو يوسف في التصدي والدفاع عن الحجاج والمسلمين، وعُرف بشجاعته وإخلاصه للدين وقد أقام في السويس، حيث يُقال إنه توفي هناك ودُفن فى الضريح الذي أقامه السوايسة له الآن مع أربعة من مشايخ الصوفية، الذين كانوا معه فى المعركة وهم الشيخ عمر والشيخ أبو النور والشيخ حسين والشيخ الجنيد، وقتها أطلقوا عليه اسم عبد الله الغريب مرجعين ذلك إلى أن البشر كلهم عبيد الله لذا فهو عبد الله، وحضر فى مهمة تتعلق بتأمين طريق حجاج البيت الحرام، أما لفظ الغريب فلكونه ليس من أبناء السويس، وإنما ترجع أصوله إلى المغرب فأصبح اسمه عبد الله الغريب.
وأصبح قبر وضريح الغريب بعد وفاته مزاراً لحجاج بيت الله الحرام وبه بئر للسقاية، كان الناس جميعًا يشربون منه طوال العام، قبل أن تشق ترعة الإسماعيلية التي تمد السويس بالمياه العذبة.
* ومن الحكايات الشعبية لبركات هذا الولي، أنه بعد حصار السويس في 22 أكتوبر 1973، إبان حرب أكتوبر، حاصرت قوات الاحتلال الصهيوني ترعة الإسماعيلية، وقطعت المياه عن أهالي السويس، فإذا ببئر سيدي الغريب تتفجر لتسقي كل أهالي السويس.
* التخطيط العام للمسجد ومكوناته الداخلية: المسجد بُني على الطراز الإسلامي التقليدي، ويضم ضريح عبد الله الغريب وأربعة من مشايخ الصوفية الذين استشهدوا معه في المعركة ويُعتقد أن المسجد أُقيم على موقع كان مخصصًا للمقابر، وكان يحتوي على العديد من مساجد الأولياء.
* يتكون مسجد الغريب من عدة عناصر معمارية وروحانية، تجعله مميزًا بين مساجد السويس، ومن أبرز مكوناته:
1- المصلى (قاعة الصلاة) : قاعة واسعة مخصصة للصلاة، مزينة بالطراز الإسلامي التقليدي و
تحتوي على المحراب، الذي يحدد اتجاه القبلة، والمنبر الذي يستخدمه الخطيب لإلقاء خطبة الجمعة.
2- الضريح :يضم المسجد ضريح عبد الله الغريب، القائد المغربي الذي استشهد في معركته ضد القرامطة.
يحيط به أيضًا أضرحة أربعة من مشايخ الصوفية الذين استشهدوا معه.
3- المحراب : يقع في الجدار الجنوبي للمسجد، وهو تجويف نصف دائري يشير إلى اتجاه القبلة و
يتميز بتصميم بسيط، قد يكون مزخرفًا بنقوش إسلامية أو آيات قرآنية محفورة على الرخام أو الجبس.
4- الصحن (الفناء الداخلي) :مساحة مفتوحة داخل المسجد تسمح بتهوية طبيعية جيدة قد يحتوي على أماكن للوضوء.
5- المئذنة : المئذنة مرتفعة تُستخدم للأذان، وتتميز بتصميمها المعماري الإسلامي التقليدي حيث تنتهي بقبة صغيرة وهلال معدنى فالمئذنة تساهم فى الطابع المالي والروحاني للمسجد
6- القبة :تعلو الضريح قبة إسلامية، وهي من أهم العناصر المعمارية في المسجد، حيث تعطيه طابعًا روحانيًا مميزًا.
7- أروقة المسجد :عبارة عن مجموعة من الأروقة التي تُستخدم للصلاة والعبادة، وخاصة خلال المناسبات الدينية.
8- أماكن الوضوء: متوفرة للرجال والنساء لتوفير الراحة للمصلين .
9- مدخل رئيسي وبوابات: يحتوي المسجد على مدخل رئيسي واسع، وبوابات فرعية تربط أجزاء المسجد ببعضها.
ويتميز مسجد الغريب بروحانيته الخاصة، حيث يُعتبر مزارًا ومكانًا للتبرك من قبل أهالي السويس وزوارها، خاصة خلال مواسم الحج، نظرًا لارتباطه بحماية طرق الحجاج في الماضي ..كما أن تصميمه يجمع بين البساطة والجمال المعماري الإسلامي التقليدي.
10- يحتوي المسجد على زخارف إسلامية متقنة، تشمل:
– الخط العربي: آيات قرآنية مكتوبة بالخط الكوفي أو الثلث.
– الزخرفة الهندسية: أنماط متشابكة تعكس الطراز الإسلامي.
– الزخرفة النباتية (الأرابيسك): رسوم لأوراق وأغصان متداخلة .. قد تكون الزخارف موجودة على الجدران، الأعمدة، الأسقف، وأبواب المسجد.
* أعمال الترميم: شهد المسجد عدة مراحل من الترميم والتطوير عبر العصور. في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، تم بناء مسجد على قبر عبد الله الغريب. لاحقًا، في الفترة بين عامي 1965 و1966، قامت حكومة الرئيس جمال عبد الناصر بتجديد المسجد وتوسعته، حيث نُقلت رفات الولي الصالح عبد الله الغريب وزملائه المشايخ الأربعة إلى المسجد الجديد.
* علاقة أهل السويس بسيدي الغريب:
1- محبة وتقدير: يحتفظ أهل السويس بمودة واحترام كبيرين لسيدي الغريب، ويعتبرونه أحد الأولياء الصالحين، مما جعل مسجد الغريب مكانًا مقدسًا لديهم.
2- الاحتفال بالمولد: يحرص البعض على الاحتفال بمولده سنويًا، عبر إقامة الذكر والابتهالات، وهو جزء من التراث الشعبي في السويس.
3- زيارة المسجد: يعتبر المسجد من أقدم وأشهر المساجد ، ويحرص الأهالي على زيارته للتبرك والدعاء.
4- الربط بينه وبين تاريخ السويس: يرون في سيرته انعكاسًا لشجاعة المدينة في الدفاع عن أرضها، وهو ما يعزز ارتباطهم به عبر العصور.
********************
الإعداد لحق المعرفة على إحدى البطولات العربية ففى عام 926م، كانت جماعة القرامطة تعترض طريق الحجاج المتجهين إلى مكة، مما تسبب في اضطرابات واعتداءات على القوافل و استجابة لهذا التهديد، أرسل عبد الله المهدي الفاطمي القائد أبو يوسف على رأس حملة عسكرية إلى مصر عام 936م (320هـ) لتأمين طريق الحجاج ومواجهة القرامطة.
فدارت معركة حاسمة بين جيش عبد الله الغريب وقوات القرامطة في منطقة القلزم (السويس حاليًا)
استشهد عبد الله الغريب في هذه المعركة ليلة الجمعة 17 من ذي القعدة عام 320هـ وتم دفنه فى المكان
الذي استشهد فيه، والذي أصبح فيما بعد موقع مسجد الغريب.
تحول سيدي الغريب إلى رمز شعبي في السويس، حيث يُروى عنه الكثير من القصص المرتبطة بالكرامات والبطولات، مما جعله جزءًا من الهوية الدينية والتاريخية للمدينة.
مع تحياتي : فاروق شرف.
