دور المعلم في العراق منذ تأسيس الدولة إلى الوقت الحاضر


*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
يُعدُّ المعلم حجر الزاوية في بناء المجتمعات، إذ يساهم في إعداد الأجيال وتنمية العقول وتوجيه الأفراد نحو مستقبل أكثر إشراقًا. في العراق، شهد دور المعلم تحولات كبيرة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى وقتنا الحالي، حيث تأثر هذا الدور بالتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد. وعلى الرغم من التحديات المختلفة، ظل المعلم رمزًا للمعرفة والتقدم.
بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كان التعليم في بداياته يعتمد على المدارس التقليدية التي تأثرت بالنظام العثماني. ومع تولي الملك فيصل الأول الحكم، بدأت الحكومة بوضع أسس لنظام تعليمي حديث، وأُنشئت مدارس رسمية لتأهيل المعلمين، مثل دار المعلمين في بغداد.
كان دور المعلم في تلك الفترة محوريًا في نشر التعليم وتأسيس القيم الوطنية، إذ لم يكن يقتصر دوره على نقل المعرفة فحسب، بل كان يسهم أيضًا في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز روح الانتماء للدولة الجديدة. كما بدأ الاهتمام بتدريب المعلمين، وتحسين المناهج الدراسية لتواكب التطورات العالمية.
مع سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية عام 1958، شهد التعليم تطورًا ملحوظًا، حيث تم توسيع نطاق التعليم ليشمل الطبقات الفقيرة، وزيادة عدد المدارس، وتحسين أوضاع المعلمين. كما شهدت هذه الفترة اهتمامًا كبيرًا بمحو الأمية، خاصة في السبعينيات، عندما أطلقت الحكومة برامج واسعة لتعليم الكبار.
في هذه المرحلة، أصبح دور المعلم أكثر أهمية، حيث كان مسؤولًا عن إعداد جيل متعلم قادر على الإسهام في بناء الدولة. ومع ذلك، فقد تأثر التعليم خلال الثمانينيات بسبب الحروب المتتالية، مما أثر سلبًا على المعلمين والعملية التعليمية بشكل عام، إذ تم تجنيد بعض المعلمين في الجيش، بينما تدهورت البنية التحتية التعليمية بسبب النزاعات.
بعد عام 2003، واجه التعليم في العراق تحديات كبيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، مما أثر على أداء المعلمين وظروف عملهم. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإصلاح التعليم، إلا أن نقص التمويل، وهجرة العقول، وتراجع مستوى المناهج الدراسية أثرت على جودة التعليم.
ومع ذلك، لا يزال المعلم العراقي يلعب دورًا رئيسيًا في بناء الأجيال، حيث يسعى لتقديم المعرفة رغم الظروف الصعبة، كما أنه يعمل على غرس القيم الأخلاقية والوطنية في نفوس الطلبة. كما شهدت السنوات الأخيرة توجهًا نحو استخدام التكنولوجيا في التعليم، وهو ما ساعد بعض المعلمين على تطوير أساليبهم التدريسية وتحسين جودة التعليم.
ختاما مرَّ دور المعلم العراقي بمراحل مختلفة تأثرت بالظروف السياسية والاقتصادية، لكنه ظل عنصرًا أساسيًا في بناء المجتمع ونقل المعرفة. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهه، لا يزال المعلمون في العراق يسعون جاهدين للنهوض بمستوى التعليم، إيمانًا منهم بأن مستقبل البلاد يعتمد على الأجيال القادمة. ولتحقيق ذلك، يجب على الدولة دعم المعلمين وتوفير بيئة تعليمية ملائمة تُمكّنهم من أداء رسالتهم على أكمل وجه.