المقالات

استرايجيات الهيليكوبتر

بقلم الدكتورة / نادية الجدوع
خبير ستراتيجي :-

في ظل التوترات والتحولات الاقتصادية السريعة التي تعيشها المنطقة العربية، تجد هذه الدول وسط مرحلة دقيقة مملوءة بالتحديات المُركبة، التي تفرض على الحكومات وصنَّاع القرار الاستعداد لمستقبل اقتصادي وسياسي مُختلف، لتحول المنطقة ميدانًا لتنافس وصراعات القوى الكبرى والإقليمية التي تسعى إلى مزيد من الهيمنة والنفوذ

و التي أصبحت تَعُد بمعزل عن التغيرات الكبيرة في الأسواق العالمية، إذ توجَد علاقة تبادلية بين الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية، فكل منهما تؤثر في الأخرى، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً، بل يضع استقرار بعض الدول على المحك.
وتشير العديد من التقارير الدولية إلى ان حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها المنطقة دوليا تفوق لتوقعات الخبراء الاقتصادين التي قد تشهد أسعار النفط زيادة بنسبة 30 في المئة على المعدلات المتوقعة إذا ما تفاقمت الصراعات الجارية في الشرق الأوسط، ذلك أن أي تصعيد في مناطق الإنتاج الرئيسية للنفط سيؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في تكاليف الإنتاج العالمية، وبالتبعية أسعار السلع الأساسية، كما سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية التي يواجهها العالم اليوم. ومع استمرار الصراعات، فإن مثل هذا الارتفاع سيؤدي إلى تقليص النمو العالمي ما بين 0.2 و0.3 نقطة مئوية في الأقل (أي نحو 200 مليار دولار)، في مؤشر واضح إلى مدى ارتباط المخاطر الجيوسياسية بالتقلبات الاقتصادية العالمية.
وعلى الرغم من أن الانخفاض قد يبدو صغيراً نسبيّاً، فإن تأثيره التراكمي يتجاوز القيمة المالية المباشرة، لأنه يحُدِث تغييراً ملموساً في أوضاع بعض الدول النامية، والقطاعات الاقتصادية الأكثر ضعفاً، خاصة فيما يتعلق بفقدان الوظائف، وتقليص الاستثمارات، وتعميق التفاوتات الاقتصادية

وفي ظل الضغوط التضخمية لا تزال تمثل مصدر قلق رئيسيّاً، لحدوث ازمان جيو اقتصادية في المنطقة العربية والتي تشهد

تعقيد الالجيوسياسيات العالمية التي تزيد من صعوبة استعادة استقرار السياسة النقدية، المتمثل في ضبط معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
وتتزامن هذه التحديات مع تباطؤ النمو الاقتصادي دوليا

ومع تصاعد هذه التطورات دخلت التجارة العالمية في خضم تحولات جذرية قد تُعيد صياغة خريطة العلاقات الاقتصادية بين الدول، فالمنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ستؤول إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، مع اتِّباع كل من هاتين القوتين سياسات حمائية، واتساع نطاق القيود التجارية على صادراتها، ما يدفع المؤسسات والشركات الدولية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التجارية بناءً على التحالفات الجيوسياسية بدل المصالح الاقتصادية وحدها.
ومن الواضح أن الحمائية التجارية تشهد زيادة ملحوظة في عام 2025 مع سعي العديد من الدول، خاصة في أوروبا وأميركا الشمالية، إلى تغيير السياسات الصناعية لتأمين بدائل مرنة لسلاسل التوريد، وتقليل الاعتماد على الخصوم الجيوسياسيين. ويثير هذا الاتجاه مخاوف بشأن مستقبل العولمة الاقتصادية، وإمكانية فك الارتباط التجاري بين الدول الكبرى، واحتمالات تقسيم العالم تجاريّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً.
براجماتيّاً، ولمواجهة هذه التحديات، فإن صنَّاع السياسات لم يَعُد أمامهم سوى خيار تبنِّي استراتيجيات «الهليكوبتر»، أو الرؤية الشاملة -من أعلى نقطة- لتدعيم صلابة الاقتصادات الوطنية، وتعزيز قدرتها على مواجهة الصدمات المستقبلية، فبناء التحالفات التجارية العالمية، وتحفيز الاستثمار في تنويع سلاسل التوريد، والتنسيق النقدي والمالي بين البنوك المركزية والسياسات التنموية للحكومات، كلها خطوات ضرورية لحماية الاستقرار الاقتصادي للأنظمة الوطنية.
وفي ظل متغيرات الخريطة الجيوسياسية- الاقتصادية، يجب أن تتبنى الدول العربية استراتيجية تنويع اقتصادي تعزز فيها الاقتصاد الإنتاجي الذي يعتمد على التكامل الإقليمي، وتُقلل اعتمادها على الصادرات الخارجية بصفتها مصدراً أساسيّاً للدخل، والاستثمار في الصناعات الناشئة والتكنولوجيا، وتشجيع الابتكار. ويمكن أن تكون هذه المساعي الضمانة الوحيدة لتحصين اقتصادات المنطقة من تقلبات الأسواق العالمية، والتوترات الجيوسياسية. وعلى الرغم من أن الطريق أمام الاقتصاد العالمي في عام 2025 تبدو مملوءة بالتحديات، فإن الاستراتيجيات المدروسة يمكن أن تساعد على مواجهة الأزمات الاقتصادية المُتوقعة، ودعم الاستقرار المالي، وتحقيق نمو مستدام يخدم مستهدف المرونة الاقتصادية في مواجهة الصدمات العالمية.
ويجب أن تركز محاور مثل هذه الاستراتيجيات على سلاسل التوريد الآمنة طويلة المدى، وعلى سياسات اقتصادية رشيقة قابلة للتكيف والاستجابة للتغيرات السريعة، مع إبقاء العين على فرص الابتكار والاستثمار في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار