ظاهرة عودة السيد الحلبوسي إلى المشهد السياسي: الأسباب والأهداف


*الحقوقية انوار داود الخفاجي:-
في المشهد السياسي العراقي، من المعتاد أن تشهد الساحة ظهور وجوه سياسية بارزة ثم اختفاؤها لفترة قبل أن تعود مرة أخرى إلى الواجهة. من بين هذه الشخصيات، برز السيد محمد الحلبوسي كواحد من أبرز القيادات السياسية السنية في السنوات الأخيرة، حيث تولى منصب رئيس مجلس النواب العراقي، ما جعله لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي العراقي. ومع ذلك، شهدت الساحة السياسية في مراحل معينة إبعاده أو تقليص نفوذه، لتعود ظاهرة رجوعه إلى الساحة مجددًا وتثير تساؤلات حول الأسباب والأهداف التي تقف وراء ذلك.
شهدت فترة رئاسة السيد الحلبوسي لمجلس النواب العديد من التحديات والانتقادات التي وُجهت إليه من مختلف الأطراف. من جهة، تعرض لانتقادات من داخل المكوّن السني نفسه، حيث رأى البعض أن سياساته لم تكن تمثل تطلعات جميع الأطراف السنية، بل انحازت إلى مصالح سياسية معينة. ومن جهة أخرى، واجه ضغوطًا من قوى سياسية أخرى اعتبرت أن دوره في البرلمان كان يميل إلى تعزيز مواقف بعض الكتل على حساب أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التوازنات السياسية في العراق، والتي عادة ما تكون معقدة بسبب الصراعات الطائفية والمناطقية، قد لعبت دورًا في إبعاده مؤقتًا عن المشهد. القوى السياسية الكبيرة تسعى دائمًا إلى إعادة ترتيب تحالفاتها بما يخدم مصالحها، وغالبًا ما يُستخدم الإبعاد أو التهميش كأداة لتحقيق هذه الغايات.
عودة السيد الحلبوسي إلى المشهد السياسي بعد فترة من الإبعاد ليست مفاجئة تمامًا، بل تأتي في سياق ديناميكيات السياسة العراقية التي تعتمد على التفاهمات والتحالفات المؤقتة. عودة السيد الحلبوسي قد تكون نتيجة لتغير موازين القوى داخل المكوّن السني أو نتيجة حاجة القوى السياسية الكبيرة إلى شخصية ذات خبرة وقاعدة شعبية واسعة تمثل المكوّن السني في مرحلة حساسة من تاريخ العراق خاصة بعد سقوط النظام السوري.
السيد الحلبوسي يتمتع بخبرة سياسية وحنكة مكنته من بناء شبكة علاقات داخلية وخارجية واسعة، مما يجعله لاعبًا لا يمكن تجاهله في أي عملية سياسية كبرى. لذلك، فإن عودته قد تكون جزءًا من ترتيبات جديدة تهدف إلى تحقيق توازن سياسي في البلاد، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه العراق بعد سقوط نظام بشار الاسد .
عودة السيد الحلبوسي إلى المشهد السياسي قد تكون لها عدة أهداف، تختلف باختلاف الأطراف التي تقف وراء عودته:
*تحقيق التوازن داخل المكوّن السني**: قد تكون عودته محاولة لتهدئة الخلافات داخل المكوّن السني وجمع قياداته تحت مظلة واحدة، خاصة أن الخلافات داخل هذا المكوّن أضعف موقفه في التفاوض مع الكتل السياسية الأخرى.
*تعزيز التحالفات السياسية**: القوى السياسية الكبيرة قد ترى في السيد الحلبوسي شريكًا قادرًا على تحقيق توافقات سياسية، سواء داخل البرلمان أو خارجه، خاصة في ظل الحاجة إلى استقرار سياسي لمواجهة الأزمات ومنها الاثر الكبير لسقوط بشار الاسد في سوريا.
*تمثيل المكوّن السني دوليًا**: السيد الحلبوسي يتمتع بعلاقات دولية جيدة، خاصة مع دول الخليج والدول الغربية. عودته قد تكون بهدف تحسين صورة العراق خارجيًا وضمان مشاركة المكوّن السني في القرارات السياسية الكبرى.
*إعداد الساحة للانتخابات المقبلة**: عودة السيد الحلبوسي قد تكون مرتبطة بالتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في حشد الدعم وضمان تمثيل قوي للمكوّن السني.
وفي الختام عودة السيد محمد الحلبوسي إلى المشهد السياسي بعد إبعاده تعكس الطبيعة الديناميكية والتنافسية للسياسة العراقية. هذه العودة ليست مجرد صدفة، بل هي جزء من ترتيبات سياسية تهدف إلى تحقيق توازن داخلي في البلاد والتعامل مع التحديات الراهنة. سواء كانت هذه العودة نابعة من حاجة المكوّن السني إلى قيادة موحدة، أو نتيجة لتحالفات سياسية جديدة، فإن السيد الحلبوسي سيظل لاعبًا مهمًا في الساحة السياسية العراقية في المستقبل القريب.