مقالات

نقاط في ازمة العراق

نقاط في ازمة العراق
محمد عبد الجبار الشبوط
٢

تاسعا، التشتت الحزبي: الاحزاب ظاهرة ملازمة للحياة السياسية. بل هي من ضرورات الديمقراطية. وهي تعبير سياسي عن ظاهرة الاختلاف في الاراء والرؤى بين البشر، والتي يشير اليها القران الكريم بقوله:”وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”. ويمكن للتعددية الحزبية او تكون سلبية او ان تكون ايجابية. سلبية في التعددية المفرطة، وايجابية اذا كانت ضمن الحد المقبول الذي تتطلبه الديمقراطية. في العراق مازالت الحياة الحزبية تتارجح بين حدين، الافراط والتفريط، اما الحزب الواحد، او التعددية المفرطة، وهذا ما انتج التشتت الحزبي الذي مازلنا نعاني منه منذ عشرين سنة، ولم تنضج الحياة السياسية لانتاج عدد محدود ومعقول من الاحزاب السياسية يجعل عملية بناء السلطة وتداولها عملية سهلة وانسيابية. مازال السعي الى انبثاق حزب كبير جامع بعيدا عن اذهان المشتغلين بالعملية السياسية.
عاشرا، الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الانتاجي. يُعرّف الاقتصاد الريعي بانه “اعتماد الدولة على مصدر واحد للريع (الدخل) وهذا المصدر غالباً ما يكون مصدراً طبيعياً ليس بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة سواء كانت فكرية أو مادية كمياه الأمطار والنفط والغاز ، بحيث تستحوذ السلطة الحاكمة على هذا المصدر وتحتكر مشروعية امتلاكه ومشروعية توزيعه و مشروعية بيعه”. فاصبح النفط هو المصدر الاساس لدخل الدولة، واصبح معظم المواطنين العاملين موظفين لدى الدولة. الدولة تبيع النفط الى العالم، وتدفع ثمنه على شكل رواتب واجور لموظفيها. وللاقتصاد الريعي سلبيات وتبعات اقتصادية و سياسية واجتماعية كثيرة بحثها المختصون من ابرزها ضمور الاقتصاد الانتاجي، وضعف القطاع الخاص، وضعف مصادر القوة بالنسبة للمجتمع المدني، واعاقة التطور او التحول الديمقراطي، وتزاحم المواطنين على الوظائف الحكومية.
ومما يزيد الطين بلّه كما يقال ان الدولة العراقية مازالت تراوح بين الاقتصاد الاشتراكي والاقتصاد الرأسمالي، وان كان الاولى لها ان تعتمد الرؤية الاسلامية للاقتصاد كما طرحها وشرحها ونظّر لها السيد محمد باقر الصدر، وهي رؤية تقرب من نظيراتها في الدول الاسكندنافية وتجمع بين السعي على وفرة الانتاج والحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا ما يحتاج اليه القران. هذا بدون الدخول في النقاش العقيم حول الدين والدولة او الدولة الاسلامية وما يسمى بالدولة المدنية. والعبرة هنا ليست بالعنوان وانما بالمضمون.
حادي عشر، ضمور الشعور بالمسؤولية الذاتية عن الخير العام: في المجتمع الصالح يتحمل كل فرد فيه مسؤولية عن المصلحة العامة للبلاد. وفي الحديث الصحيح المروي عن الرسول محمد (ص) كما في البخاري ومسلم وغيرهما انه قال:”كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا.. الى اخر الحديث”. لكن من نتائج الحكم الدكتاتوري الفردي انه يقتل هذا الشعور بالمسؤولية لدى المواطن الذي يتحول الى سجين داخل همومه الشخصية واهتماماته الذاتية الفردية. بل ان من مصلحة النظام الدكتاتوري ان يقع المواطنون في هذا المطب، ويتحول الشعب الى “الامة الشبح” كما وصفها السيد محمد باقر الصدر. ورغم سقوط النظام الدكتاتوري قبل عشرين سنة، الى ان الناس، كثيرهم او قليلهم، لم ينتبهوا بعد الى هذه المسألة ولم يتوسع افق شعورهم بالمسؤولية الذاتية عن المصلحة العامة التي تجمع افراد المجتمع حولها. لهذا مازال احساس الفرد بالمسؤولية محصورا بمصالحه الشخصية والعائلية وفي احسن الفروض مصالحه الحزبية او الفئوية. اما الشعور بالمسؤولية عن المصلحة الوطنية العليا فمازال دون المستوى الذي يكفل انبثاق المواطنة الفعالة ومن ثم قيام الدولة الحضارية الحديثة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار