الدينية

ام البنين امراة رسالية ولم تكن امرأة عادية

🖋️ *الشيخ محمد الربيعي*
أُم البنين القدوة الحسنة والمثل الأعلى الذي يحتذى به، وهي عنواناً للثبات والخلاص والبسالة والتضحية والفداء والشرف والعزة والكرامة في سبيل الحق والعدالة.
أم البنين هذه الشخصية التاريخية الباهرة الفذة التي أفنت حياتها كلها في تربية الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة .
فأم البنين استضاءت بنور علم الإمام علي، وأخذت منه الأدب والأريحية والوفاء، هذا بالإضافة إلى أصالتها وعمق إيمانها وأخلاقها، وناهيك بمن تكون زوجة لبطل الإسلام الخالد كيف لا تتأثر به، وتلتصق بروحه وأخلاقه ومبادئه.
ومن يطّلع على تاريخ حياتها عبر الحقب التاريخية، يكتشف بوضوح القيم النبيلة التي سمت بأبنائها وارتفعت بإنسانيتهم، فجعلتهم أعلاماً بارزة شامخة في مدارج العز ومراتب الكرامة، وحققت بذلك نجاحاً منقطع النظير. أولئك هم رسل المحبة والخير يجسدون العدل والمساواة، ويدعون إلى نشر العقيدة الإسلامية وترسيخ الإيمان الصادق.. فكانوا جذوة مشتعلة، بل ورسالة كريمة لانتصار الحق على الباطل في زمن شاع فيه الشر وفشت الرذيلة وساد الطغيان والفساد.
ونحن نعيش ايام محرم الحرام وذكرى عاشوراء الاليم لا بد ان نتعرض الى شخصية من الشخصيات المهم والتي كانت شريكة العمل الرسالي و شريكة التضحية و الايثار و الاباء مع من كانن في واقعة الطف الاليمة، ولكن من موقعها و مكانتها وان لم تشترك في وجودها في الطف .
سنثير ثلاث قضايا :
▪️الاولى : هل ام البنين ( ع ) امرأة عادية .
▪️الثانية : سبب عدم تواجدها ( ع ) في الطف .
▪️الثالثة : كراماتها.
محل الشاهد :
◼️النقطة الاولى : هل ام البنين امرأة عادية :
قد ينثار هنا وهناك سؤال ان ام البنين انسانة عادية لا توجد لها خصوصية فلماذا هذا الاهتمام بها من ناحية المذهب والمجتمع من جهة التقديس و الاهتمام لذكرى ؟
وجوابا على ذلك نقول :
ان السيدة ام البنين الكلابية أم أشبال أمير المؤمنين عليه السلام لم تكن امرأة عادية كسائر النساء، بل كانت من أولياء الله تعالى وكانت تقدم أبناء الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام على ابناءها وهي علمتهم ان لا سواء بينكم وبين الامام الحسن والامام الحسين والسيدة زينب عليها السلام، فموتوا دونهم ولا تقولوا ان ابانا أمير المؤمنين وقدمتهم بكل سخاء لتنال بذلك رضا الله ورضا نبيه وتكون مُبيّضة الوجه غداً عند فاطمة الزهراء عليها السلام تزف أولادها الاربعة الى اعراس المنية وهي تعلم انهم يسبحون كالاقمار في غدير الدماء تتعامل مع الامام الحسين (عليه السلام) باعتباره الامام المفروض عليها طاعته انها لم تخرج بجسدها مع الركب الحسيني الى كربلاء إلا انها اخرجت افلاذ كبدها وقد ذابت هذه السيدة الجليلة في ولائها لأهل البيت عليهم السلام وتمسكت بهداهم وبآثارهم حتى صارت من أولياء الله المقربين وصارت من السابقين في هذا الميدان حتى صارت ذا جاه عريض وعظيم عند أهل البيت عليهم السلام وعند الله تعالى.
هي من أبواب الله وزوجة خير خلق الله بعد النبي (صلى الله عليه وآله) عاشت في كنف سيد المسلمين وفي ظل بيت ضم قبلها فاطمة الزهراء سيدة النساء عليها السلام ومن ثم ضم الامام الحسن والامام الحسين والسيدة زينب عليهم السلام، وانها كانت امرأة ولدتها الفحول من العرب من ذوي البيوت والحسب والنسب، ام البنين هي تلك المرأة التي كان يريدها الامام علي عليه السلام وعاشت بعد امير المؤمنين ولم تتزوج من غيره ولم يعرف التاريخ ان شريكة تخلص لابناء شريكتها وتقدمهم على ابنائها سوى هذه السيدة الزكية فقد كانت ترى ذلك واجبا دينيا وروي انها لما زفت الى بيت الامام علي عليه السلام وجدت الامامين الحسن والحسين عليهما السلام مريضين فأخذت تمرضهما وتقوم برعايتهما وتلاطفهما بالقول حتى عوفيا من مرضهما وطلبت من الامام ان يعهد الى أهل بيته ان لا يدعوها أحد بعد ذلك باسمها (فاطمة) مخافة ان يتذكر ابناء فاطمة الزهراء عليها السلام امهم فيتجدد حزنهم فدعاها أمير المؤمنين بأم البنين وهي كانت كالام الحنون لهم ولا بدع في ذلك فانها شريكة الامام المعصوم الذي قد استضائت بأنواره وربت في روضة أزهاره واستفادت من معارفه وتأدبت بآدابه وتخلقت بأخلاقه.
لقد جعل الله سمية فاطمة الزهراء وأم أشبال امير المؤمنين باباً من أبواب رحمته ما قصدها أحد إلا ونال قصده، وما توجه بها الى الله عز وجل إلا أعطي سؤله ومن شاء فليتوسل الى الله بها ليعلم صدق ذلك.
فالتوسل بها والتبرك بتراب قبرها والسفرة وما يتعلق بطعام الطعام للمؤمنين سواء كان في الولادات او الوفيات للائمة وغيرهم من اولياء الله كام البنين عليها السلام كلها صحيحة .
◼️النقطة الثانية : عدم تواجدها ( ع ) في الطف
لماذا لم تأت ام العباس – عليها السلام –  الى كربلاء
اختلفت  الآراء التاريخية حول عدم مرافقة السيدة ام البنين – عليها السلام –   لقافلة الركب الحسيني المقدس والذهاب مع اولادها وسيدهم العباس – عليه السلام – على عده اراء:
▪️الاول: لعلها كانت مريضة ،ولم يذكر التأريخ سبب مرضها الذي من اجله لم تذهب مع العائلة الشريفة الى كربلاء الفداء.
▪️الثاني: كانت مشغولة برعاية اولاد بنيها، كما ثبت ان لعبيد الله بن العباس ذرية .
▪️الثالث: وربما تركها الامام الحسين – عليه السلام –  لكي تدير شؤون النساء. وتشرف على المدارس النسوية والحلقات العلمية التي كانت تابعة لمدرسة الامام الحسين – عليه السلام – في المدينة المنورة.
الرابع: ان سيدنا العباس – عليه السلام – اصر على ان تبقى امه في المدينة المنورة لكي يتفرغ هو لخدمة سيده الامام الحسين  – عليه السلام –  فكما تعلمون ان العباس عالم من علماء اهل البيت – عليه السلام – وهو عارف بان لو تواجدت امه بكربلاء،للزم عليه مداراتها والاهتمام بشؤونها والانقطاع لقضاء حوائجها. وهذا مما يؤثر على خدماته التي يقدمها للإمام الحسين – عليه السلام -ولهذا آثر ان تبقى امه في المدينة المنورة.
وبالمناسبة حاول بعض المحققين ان ينفي حياة السيدة ام البنين – عليها السلام – بعد واقعة كربلاء ومنهم السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه مقتل الحسين – عليه السلام –  اذ قال: (لم اعثر على نص يوثق به يدل صراحة على حياة أم البنين يوم الطف).
ونقول الان لسنا بصدد معالجة هذا الامر تاريخيا وتحقيقه، لكن هناك عدد من الشواهد التاريخية تثبت ان السيدة الطاهرة ام البنين – عليها السلام – قد عاشت بعد يوم الطف منها:
▪️أـ  جاء في (الاختيارات) عن الأعمش قال: (دخلتُ على الإمام زين العابدين – عليه السلام – في الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان يوم جمعة، فدخل الفضلُ بنُ العبّاس وهو باكٍ حزين، يقول له: لقد ماتتْ جَدّتي أمُّ البنين) ( وقائع الأيّام، البيرجنديّ،  ص 107، طبع 1352 هـ، وقد نقل الخبر عن الأعمش.).
▪️ب ـ  ان  هنالك كتب ذكرت مراثيها لولدها العباس – عليه السلام -:
يا مَن رأى العباسَ كَرَّ
على جمـاهيرِ النَقد
(أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 8   ص 389، تحقيق وتخريج : حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات – بيروت – لبنان).
 ج ـ بل ان السيد المقرم نفسه يقر في غير مؤلف له انها موجودة بعد واقعة الطف فيقول: أن السيدة زينب قد زارت أم البنين بعد وصولهم إلى المدينة تعزيها بأولادها كما كانت تزورها أيام العيد (العبّاس – عليه السلام – السيّد عبد الرزّاق الموسوي المُقرّم، ص125.).
▪️لم تحضر أم البنين واقعة الطف ، إلاّ أنّها واست أهل البيت ( عليهم السلام ) و ضحَّت من أجل الدفاع عن الدين الإسلامي بتقديم أولادها الأبطال الأربعة فداءً للحسين ( عليه السَّلام ) و لأهدافه السامية .
ثم واصلت جهادها الإعلامي بعد مقتل سيد الشهداء و وصول أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى المدينة المنورة ، فكانت تخرج كل يوم إلى مقبرة البقيع و معها عبيد الله ولد ولدها العباس ، فتندب أبناءها الأربعة أشجى ندبة ، فيجتمع الناس إليها فيسمعون بكاءها و ندبتها و يشاركوها العزاء ، كما كانت تقيم مجالس العزاء في بيتها فتنوح و تبكي على الحسين ( عليه السَّلام ) و على أبنائها الشهداء الأربعة ، و لم تزل حالتها هذه حتى التحقت بالرفيق الأعلى .
◼️النقطة الثالثة : كراماتها
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يكرم عبده الصالح بما يظهره على يده أو عند قبره بما يخرق به العادة، يكرم بها الأولياء والبررة الأتقياء. ولعل أهم هذه الكرامات شفاء المرضى وتعجيل البرء وتحقيق الاماني، وغير ذلك من الأمور التي يصعب تحقيقها على الإنسان. وأم البنين نالت هذه القدسية، وذلك لمنزلتها الرفيعة، لأنها أم الشهداء الأبرار الذين واكبوا ركب أبي الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) وضمخوا تراب كربلاء بدمائهم الطاهرة.
يقول المؤلف: حدّث العالم الفقيه آية الله الحاج السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس ‌سره) في تاريخ 27 ذي الحجة الحرام سنة (1416) ضمن حديثه عن عظمة شخصية أبي الفضل العباس (عليه ‌السلام): رأى أحد العلماء في عالم المكاشفة قمر بني هاشم أبا الفضل العباس (عليه ‌السلام) وقال له: سيدي إن لي حاجة فبمن أتوسل حتى تقضي حاجتي؟
فأجابه (عليه ‌السلام): توسل بأمي أم البنين (عليها ‌السلام).
ونحن نذكر هنا بعض الختومات وآداب التوسل بتلك السيدة المباركة من المجربات التي رويت عن بعض الأساطين:
1 – إهداء الصلوات:
قال المرحوم آية الله الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي المتوفي في 17 شعبان (394 هـ): إني أصلّي على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديها إلى أم البنين (عليها ‌السلام) فتقضي حاجتي.
2 – نذر الاطعام:
أن ينذر لأم البنين (عليها ‌السلام) ويطعم الفقراء باسم أبي الفضل العباس (عليه ‌السلام)، وهو من المجربات في قضاء الحوائج.
3 – ختم سورة «يس»:
قراءة سورة «يس» عشرة مرات في أربع أسابيع كالتالي، وهو مؤثر إن شاء الله تعالى: يقرأها في ليلة الجمعة من الأسبوع الأول ثلاث مرات، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثاني يقرأ ثلاث، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثالث يقرأ ثلاث أيضاً، وفي ليلة الجمعة الأخيرة في الأسبوع الرابع يقرأها مرة واحدة ويهديها لأم البنين (عليها ‌السلام) نيابة عن أبي الفضل العباس (عليه ‌السلام)، فانه ستقضى حاجته إن شاء الله على أتم وجه.
4 – تجهيز من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين (عليها ‌السلام):
حدثني الحاج الشيخ محمود الخليلي في شوال المكرم سنة (1418 هـ) في منزل آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدس ‌سره) قال: إنّ آية الله الحاج السيد محمد الروحاني (قدس ‌سره) كان يتوسل في المهمات والمشاكل المعضلة بأم البنين (عليها ‌السلام)، وكان توسّله بتلك المخدرة المجللة أن ينذر لله أن يقضي حاجته ويكشف كربته على أن يبعث إلى كربلاء من يزور هناك نيابة عن أم البنين (عليها ‌السلام)، ويتحمّل كافة مصروفات سفره.
وأتذكر جيداً أني حظيت في سنة (1383 هـ) بشرف زيارة كربلاء نيابة عن السيدة أم البنين من قبل السيد (قدس‌ سره) فدفع لي مبلغ «نصف دينار» ما يعادل عشرة دراهم، وكانت الأجرة يومها ذهاباً وإياباً تتراوح بين ثلاثة أو أربعة دراهم.
قال أيضاً: ابتلي آية الله الروحاني ذات مرة بألم شديد في سنّه، وكن ألماً مبرحاً لا يطاق، فراجع طبيبه الدكتور الطريحي فلم يجده، فلما اشتد الألم اشتداداً مروعاً نذر لله إن نجّاه من هذا الألم أن يستأجر من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين (عليها ‌السلام) في ليلة الجمعة القادمة، فلم تمض لحظات حتى سكن الألم وكأن لم يكن شيئاً، وفي عصر اليوم التالي عاد الالم مجدداً فقال السيد: يبدو أن الطبيب قد حضر، فراجعه فوجده في مطبه، فقلع سنه وارتاح من بلائه، كلّ ذلك ببركة أم البنين (عليها ‌السلام).
وأضاف الشيخ الخليلي: إنّي علّمت هذا التوسل بهذه الطريقة لكثير من ذوي الحاجات فكان نافعاً في قضاء حوائجهم وكشف كربهم
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار