السياسية

مركز بحثي: ثلاثة سيناريوهات تنتظر الحكومة العراقية المرتقبة بعد إعلان مرشح الإطار

ذكر تقرير نشره “مركز الإمارات للسياسات” أن ثلاثة سيناريوهات تنتظر الحكومة العراقية بعد حسم ترشيح محمد شياع السودانى لرئاستها مؤكداً على أن كل السيناريوهات المحتملة تقود بشكل أو آخر إلى الانتخابات المبكرة، التي يبدو أنها المخرج الوحيد للخروج من مأزق خروج التيار الصدري من البرلمان.
  
 
وقال التقرير الذي اطلعت عليه أرض آشور ” (29 تموز 2022) إن احتمالات نجاح الحكومة المقبلة تبدو ضعيفةً نسبياً في الوقت الراهن، من دون صفقة كبرى يدخل فيها الصدريون، أو صفقة أخرى بديلة يستطيع “الإطار التنسيقي” إبرامها مع القوى السياسية السنية والكردية.
فيماي يلي نص التقرير:
 
بعد استعصاء تشكيل الحكومة العراقية لمدة تسعة أشهر، منذ إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في أكتوبر 2022، أعلن “الإطار التنسيقي” (الممثل للقوى الشيعية عدا التيار الصدري) ترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء. يواجه هذا الترشيح تحديات مختلفة، أبرزها اعتراض مقتدى الصدر، الذي دفع أنصاره إلى اقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان في 27 يوليو 2022 اعتراضاً على ترشيح السوداني وعلى توجه الإطار لتشكيل الحكومة الجديدة. 
تسلط هذه الورقة الضوء على خلفيات ترشيخ السوداني، والتحديات أمام هذا الترشيح، والسيناريوهات المحتملة لأزمة تشكيل الحكومة. 
السوداني: سياق الترشيح والخلفية السياسية
يشير نجاح “الإطار التنسيقي” أخيراً في الاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء، بعد خلافات وتأجيلات كثيرة، إلى قدرته على الحسم وتجاوز خلافاته، وإنْ على نحو مؤقت إلى حد الآن. ينتمي السوداني إلى ما أصبح ما يعُرف واسعاً في العراق باسم “ساسة الصف الثاني”، تمييزاً لهم عن ساسة الصف الأول، وهم الساسة الكبار الذين تصدروا العملية السياسية في العراق منذ عام 2003. ويواجه هؤلاء الساسة الكبار الكثير من الغضب الشعبي، إذ يحمّلهم الجمهور مسؤولية فشل العملية السياسية، والتردي الشامل للأوضاع في البلاد، وانتشار الفساد. 
 
ولم يكن الذهاب إلى ساسة “الصف الثاني” بالضرورة طوعياً؛ إذ يبدو أن التنافس بين ساسة “الخط الأول”، وبالذات هادي العامري ونوري المالكي وحيدر العبادي، وصل إلى طريق مسدود قبل التوصل إلى التسوية التي قادت إلى اختيار السوداني، بعد انسحاب منافسه من “الصف الثاني” أيضاً، قاسم الأعرجي، المستشار الحالي للأمن الوطني.
 
يتحدر السوداني من عائلة جنوبية، في محافظة ميسان الفقيرة، تنتمي للإسلام السياسي الشيعي؛ إذ أعدم نظام صدام حسين والده في 1980 بتهمة انتمائه لحزب الدعوة الإسلامية. وأكمل السوداني دراسته الجامعية في جامعة بغداد وحاز على بكالوريوس في الزراعة.
 
وبعد سقوط النظام في 2003، انتمى الرجل لحزب الدعوة. وبمساعدة الحزب تبوأ السوداني أول منصب رسمي له وهو قائمقام مدينة العمارة، أكبر مدن محافظة ميسان وعاصمتها، ثم تولى في عام 2003 منصب محافظ ميسان، ثم عضواً في مجلس النواب، فضلاً عن عمله وزيراً لحقوق الإنسان بين عامي 2010 و2014.
 
وخلال شغله هذا المنصب، تولى أيضاً بضع وزارات بالوكالة في أوقات مختلفة، كوزارات المالية والتجارة والصناعة والهجرة والمهجرين والزراعة. ويشير توليه هذه المناصب في أثناء عهد حكومة المالكي الثانية (2010-2014) إلى ثقة المالكي الشخصية به، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على احتمالات نجاحه في تشكيل الحكومة، خصوصاً أن المالكي هو الذي دعم ترشيحه في مفاوضات اللحظة الأخيرة داخل الإطار قبل الإعلان عنه مرشحاً وحيداً وبالإجماع عن الإطار التنسيقي. 
 
وفي بداية عام 2020، بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي في نهاية 2019 بفعل حركة الاحتجاجات الشعبية، أعلن السوداني استقالته من حزب الدعوة. وجاءت تلك الاستقالة في سياق الاحتمالات المتصاعدة حينها بأن يُكلف بتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة عبد المهدي، لكن اعتراض بعض المحتجين والتيار الصدري على هذا الترشيح أنهى حظوظ الرجل حينها. 
 
وبعد تأسيسه “تيار الفراتَين” في بداية 2021، استعداداً لخوض انتخابات أكتوبر الماضي، واصل السوداني، عبر حملته الانتخابية، إثارة المواضيع “الآمنة” ذات الإجماع الشعبي حولها، مثل ضرورة مكافحة الفساد، وتشجيع الاستثمار وتنشيط الاقتصاد، والاهتمام بالشباب. وفاز تياره بمقعد واحد في الانتخابات حصل عليه السوداني نفسه، لينضوي بعدها في “الإطار التنسيقي” إثر تفجر الصراع بين الأخير والتيار الصدري بخصوص تشكيل حكومة الأغلبية مقابل الحكومة التوافقية.
 
بشكل عام، يُعتبر السوداني شخصية معتدلة في إطار حركات الإسلام السياسي الشيعي، إذ يبتعد الرجل عادةً عن الخطاب الطائفي، ويتجنب عموماً الإثارات السياسية الحادة والخلافية الطابع. وجزء من هذا هو انعكاس لطبيعته الشخصية التي تميل إلى الهدوء، فيما جزؤها الآخر مرتبط بسعي مفهوم لتقديم نفسه كإصلاحي يهتم بإصلاح المؤسسات وتوظيفها لخدمة المجتمع، وليس كأيديولوجي إسلامي أو طائفي مأخوذ بضمان هيمنة الشيعة على الدولة.
 
وتعتبر كل هذه صفات إيجابية تصب في مصلحة الرجل في المجال السياسي، لكن لا يعني كل هذا أن درب الرجل نحو رئاسة الوزراء سيكون سهلاً أو حتى متاحاً، فثمة تحديات كبيرة تعترض دربه.
تحديات ترشيح السوداني والسيناريوهات المحتملة
يمكن تلخيص التحديات التي تواجه ترشيح السوداني، وحظوظه نجاحاً وفشلاً من خلال هذه السيناريوهات الثلاثة:
السيناريو الأول: فشل تكليف السوداني 
التحدي الأول الذي يواجهه السوداني هو أن ترشيحه يصطدم بجمهور عام متشكك وغاضب من الطبقة السياسية، وغير مستعد لإعطائها فرصة أخرى لإدارة البلاد، وبالتالي فإن أغلبية هذا الجمهور ستنظر إلى السوداني على أنه امتداد لهذه الطبقة. 
 
لكنْ يبقى التحدي الأكبر والأهم هو ما يبدو -إلى حد الآن- اعتراض الصدريين عليه. فالإشارات الأولية الصادرة عن التيار الصدري توحي برفض صارم للرجل. ويرتبط هذا الرفض باعتقاد صدري راسخ أن السوداني تابع للمالكي، الخصم اللدود للصدريين. ويدعم هذا الاعتقاد حقيقة أن المالكي، في اجتماع “الإطار التنسيقي” الأخير لاختيار مرشح التحالف لمنصب رئيس الوزراء، هو الذي حسم الترشيح لصالح السوداني عبر رفضه المرشحين الآخرين، وبينهم رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وإصراره على السوداني. 
 
لا يقبل الصدريون أن يصبح المالكي “صانع الملوك” وتزداد شكوكهم بمرشح يخرج من عباءة المالكي ويكون تابعاً له، خصوصاً أن السوداني لا يملك كتلة برلمانية قوية يقودها يستطيع الاستناد عليها في تشكيل سياساته ومواقفه الخاصة به، أي أن الرجل سيجد نفسه تحت ضغط تنفيذ أجندة المالكي التي تتضمن -بحسب التسريبات الأخيرة المنسوبة للرجل- استعداداً لاستخدام القوة العسكرية ضد التيار الصدري.
 
والخطوة المنطقية لأي حكومة يهيمن عليها المالكي هي تفكيك نفوذ التيار الصدري في مؤسسات الدولة، وهو ما يفتح الباب أمام مواجهة حادة بين الصدريين ومثل هذه الحكومة، لذلك يسعى الصدريون إلى مواجهة استباقية تمنع تشكل مثل هذه الحكومة أصلاً، وهذا ما حصل من خلال توجيه الصدر أنصاره إلى اقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان في 27 يوليو للاعتراض على ترشيح السوداني، وهي الخطوة التي وصفها الصدر نفسه بتغريده له بأنها “جرة أذن”، في إشارة ضمنية إلى الإطار التنسيقي، حتى لا يعتقد الإطار أنه قادر على تشكيل حكومة من دون موافقة الصدر.
 
ويعني رفض الصدريين لترشيح السوداني أن دعم الإطار لهذا الترشيح سيتخلخل على الأغلب، خصوصاً في ظل الرغبة المشروعة لأطراف إطارية مختلفة، بينها تيار “الفتح” الذي يقوده هادي العامري وتيار “قوى الدولة” الذي يتصدره السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي، لاستيعاب التيار الصدري عبر ترشيح رئيس وزراء مقبول له لا يستفزه ولا يدفعه إلى تحدي الترشيح.
 
وتكمن النتيجة الأخرى للمعارضة الصدرية للترشيح في دفع الأطراف الكردية والسنية إلى معارضة هذا الترشيح، إذ يمكن لكتل الأكراد والسنة معاً استخدام الثلث المعطل لمنع تمرير حكومة يترأسها السوداني، على النحو ذاته الذي استخدم فيه الإطار هذا الثلث لمنع تمرير حكومة الأغلبية التي سعى إليها التحالف الثلاثي بقيادة التيار الصدري.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإن النتيجة التي يتوقع أن تتمخض عنها هي إما التوجه إلى انتخابات مبكرة في ظل حكومة الكاظمي الحالية، أو ترشيح “الإطار التنسيقي” مرشحاً آخر يكون مقبولاً من الصدريين والجمهور العراقي. 
السيناريو الثاني: نجاح السوداني في تشكيل الحكومة
مع ذلك يبقى هناك احتمال معقول بأن ينجح “الإطار التنسيقي” في التوصل إلى صفقة كبرى مع شركائه المحتملين من الأكراد والسنة يستطيع عبرها تجاوز معارضة الصدريين وتشكيل الحكومة المقبلة برئاسة السوداني. قد يحتاج الإطار بعض الدعم الإيراني هنا لعقد هذه الصفقة الكبرى، عبر سعي إيران لتخفيف حدة الخلافات بين صقور الإطار وحمائمه، وضغطها على الأحزاب الكردية، وعلى نحو أخص حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو ما يمكن فهمه من خلال تزامن اقتحام أنصار الصدر للبرلمان مع عقد قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني اجتماعاً مع قادة الإطار التنسيقي لحثهم على تشكيل الحكومة، ولقائه أيضاً للهدف نفسه رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.
 
وحتى لو نجح الإطار التنسيقي في تمرير ترشيح السوداني وتشكيل الحكومة، ستتواصل الشكوك الجدية بخصوص عمر هذه الحكومة وقدرتها على إنجاز أي إصلاح حقيقي، فما نشهده عبر ترشيح السوداني يمثل عودةً إلى الصيغة العاجزة والمُعطِّلة القائمة على التوافق والمحاصصة في تشكيل الحكومة وإدارة السياسة في البلد، أي هيمنة أحزاب متنافسة على مؤسسات الدولة وإدارتها على أساس الأولويات الحزبية المتعلقة بإدامة الصلات والمصالح الزبائنية وليس الأولويات الحكومية المتعلقة بالصالح العام.
 
وأثبتت هذه الصيغة فشلها مرات عديدة، وخرج الشباب العراقي محتجاً عليها وعلى نتائجها السلبية الوخيمة في 2019، وأطلقت الطبقة السياسية وعوداً إصلاحية بخصوص تجاوز هذه الصيغة الفاشلة، لكنْ مع ترشيح السوداني تبدو العودة صريحة إلى الصيغة ذاتها التي تسببت بالفشل السابق المتكرر. 
 
وقد يضيف هذا عاملاً آخر يُضعف من احتمالات بقاء هذه الحكومة طويلاً إذا تشكلت، وهو عامل الغضب الشعبي، إذ قد يوفر أحد أمثلة الفشل المعتادة في ظل هذه الحكومة المرتقبة الشرارةَ التي قد تشعل احتجاجاً شعبياً جديداً، خصوصاً مع بروز طبقة من الناشطين السياسيين الشباب الذين تمرسوا بتنظيم الأفعال الاحتجاجية على مستوى البلد في أثناء حركة الاحتجاج التشرينية بين عامي 2019 و2020. وهنا يمكن أن يدخل الصدريون، بقدراتهم التنظيمية العالية وجمهورهم الواسع والمنضبط، على خط مثل هذه الاحتجاجات الشعبية وتجييرها لصالحه. وسيقود هذا السيناريو أيضاً إلى خيار الانتخابات المبكرة.
السيناريو الثالث: تكليف مرشح آخر غير استفزازي
في ظل هذا السيناريو، وعلى إثر ظهور استحالة تمرير حكومة السوداني عبر البرلمان، قد يعمد الإطار التنسيقي إلى سحب مرشحه الحالي لصالح مرشح آخر ينتمي إلى جناح الحمائم في الإطار ويقبل به الصدريون، أو حتى مرشح غير إطاري. يعتمد تحقق هذا السيناريو على واحد من أمرين مترابطين: الأول، شدة الاعتراض الشعبي العام، أو الصدري، أو السنة والأكراد، أو جميع هذه الأطراف سويةً، على السوداني، كرئيس وزراء يَدين بالولاء للمالكي.
 
والعامل الثاني قدرة الصدريين على إضعاف المالكي عبر التركيز على التسريبات الأخيرة المنسوبة له والتي تتضمن خططاً لارتكاب أفعال إجرامية يحاسب عليها القانون العراقي، إذ يطالب الصدريون، مدعومين برأي عام شعبي غاضب أيضاً، القضاء بمحاسبة المالكي على هذه الأفعال. وفي حال اتخاذ القضاء العراقي إجراءات جدية تضع المالكي في وضع قانوني محرج، سيجد الرجل نفسه مضطراً لتقديم تنازل سياسي بسحب مرشحه والقبول بمرشح آخر يقبله الصدريون أيضاً. 
 
وهنا يبدو العبادي هو المرشح الأوفر حظاً في هذا السيناريو بسبب تحالفه السابق والناجح عموماً مع الصدريين إبان توليه رئاسة الوزراء بين عامي 2014 و2018، وخصومة الرجل المعروفة مع المالكي، الأمر الذي يوفر عامل اطمئنان آخر للصدريين بأن رئاسة الوزراء لن تكون بيد خصومهم. وأيضاً، يكاد العبادي يكون السياسي الوحيد من الطبقة السياسية الذي يتمتع ببعض التأييد الشعبي. 
 
وفي حال تشكل حكومة يقودها العبادي لا تمس المكتسبات الصدرية المتحققة، من المتوقع أن تعمد أيضاً إلى إجراء انتخابات مبكرة جديدة تسمح بعودة الصدريين إلى البرلمان الذين يصعب تصور بقائهم خارجه إلى نهاية دورته الحالية  في عام 2025، كما أن إجراء مثل هذه الانتخابات سيساهم في تهدئة الشارع مؤقتاً الذي يشعر معظمه أن نتائج الانتخابات الأخيرة قد تم الالتفاف عليها عبر قررات مسيسة للمحكمة الاتحادية بدفع من الإطار التنسيقي.
 
استنتاجات
عموماً، تبدو احتمالات نجاح محمد شياع السوداني في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة ضعيفةً نسبياً في الوقت الراهن، من دون صفقة كبرى يدخل فيها الصدريون، أو صفقة أخرى بديلة يستطيع “الإطار التنسيقي” إبرامها مع القوى السياسية السنية والكردية. 
 
ويتبين أن كل السيناريوهات المحتملة تقود بشكل أو آخر إلى الانتخابات المبكرة، التي يبدو أنها المخرج الوحيد للخروج من مأزق خروج التيار الصدري من البرلمان، ما يعني قدرته على تشكيل ضغوط عبر الشارع على العملية السياسية وعلى أي حكومة يتم تشكيلها؛ الأمر الذي يهدد مصالح كل القوى السياسية، بما فيها قوى “الإطار السياسي”. 
وكالات

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار