الدينية

كتب الشيخ محمد الربيعي : الثقافة التنموية في فكر الامام محمد الباقر ( ع )

■ *الثقافة التنموية في فكر الامام محمد الباقر ( ع )* ■
🖋 *الشيخ محمد الربيعي*
اعظم الله اجركم بذكرى شهادة الامام محمد بن علي الباقر ( ع ) .
نتعرف اليوم على الشيء القليل من الفكر و الثقافة التنموية للامام محمد الباقر ( ع ) .
■ مقدمة لابد منها : قبل كل شيء لماذا قلت الثقافة التنموية ، فهل هناك رابط بين الثقافة و التنمية ؟
الجواب :
▪︎التنمية :
تعرضت التنمية عبر التاريخ لعملية تنموية شاملة على صعيد المفهوم، فبعد أن كان مفهوم التنمية يكتسي طابعا اقتصاديا محضا، اكتسب أبعادا اجتماعية وإنسانية وثقافية، هذه الأبعاد التي ساهمت بشكل كبير في تعدد وتنوع  التعريفات المتعلقة بمفهوم التنمية.
نرى التعريف المناسب هو :
والتنمية هي العملية التي يتم بموجبها توجيه أسلوب الحياة في المجتمع باختلاف مجالاته نحو التطوير والتحسين .
▪︎الثقافة :
عند تحديدنا لتعريف مفهوم الثقافة، نجد أنفسنا أمام زوبعة من التعاريف، الضيقة منها والمتسعة، المادية منها والمعنوية، مما يجعل مسألة تحديد هويتها – الثقافة – أمرا في غاية الصعوبة، لذلك فأننا سأقتصر على تعريفين للثقافة :
•أولهما: ” الثقافة هي التركيب العام لتراكيب جزئية أربعة: الأخلاق والجمال، والمنطق العملي، والصناعة”.
•وثانهما: “الثقافة هي الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والعرف والقانون، وغير ذلك من العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع.
فالمتأمل لهذين التعريفين سيجد أن هناك  دلالة واضحة على أن الثقافة تشمل الجانب المعنوي والديني للمجتمع، وكذا الجانب المادي المتمثل في الصناعة والتجارة والفن، ثم جانب العلاقات الاجتماعي الرابطة بين أفراد المجتمع. كما يتضح من خلالهما وظيفة الثقافة المتمثلة في كونها تمثل المرجعية التي تنظم وتوجه وترشد تفاعل الأفراد في المجتمع، وذلك باعتبارها المرجعية الكلية الشاملة للأخلاق والقيم والمبادئ والقواعد التي تؤطر سلوك وتحركات وعملية التأثر والتأثير بين الفرد والمجتمع من جهة وبين الأفراد بعضهم البعض من جهة أخرى.
▪︎▪︎النتيجة
نكتشف هناك علاقة بين الثقافة و التنمية ، اذن ماهي العلاقة ؟
إذا كانت الثقافة هي العلاقة التي تحدد السلوك الاجتماعي لدى الفرد بأسلوب حياة المجتمع، كما تحدد أسلوب الحياة بسلوك الفرد
. والتنمية هي العملية التي يتم بموجبها توجيه أسلوب الحياة في المجتمع باختلاف مجالاته نحو التطوير والتحسين، فإن طبيعة العلاقة بينهما- الثقافة والتنمية – هي علاقة تكامل وانسجام وتفاعل.
ذلك أن الثقافة تحدد الأرضية التي تبنى عليها المشاريع التنموية، هذه المشاريع التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إثراء هذه الأرضية الثقافية، بأساليب ومعالم جديدة، تمكن المجتمعات من ولوج عالم التقدم والتطور.
وعليه يمكن استنباط علاقة مزدوجة بين الثقافة والتنمية، الأولى في اتجاه تأثير الثقافة ودورها على عملية التنمية، التي يتم التعامل معها كمتغير تابع، والثانية تعنى بتأثير التنمية على الثقافات، فاتجاه تقوية حقوق الإنسان والمساواة ومكافحة الفقر والديموقراطية، وجميعها مفاهيم ومبادئ اتضح ارتباطها بالتنمية في الآونة الأخيرة، …اكتسبت العلاقة بين الثقافة والتنمية بعدا مهما جعل من ترابطهما ترابطا مزدوجا بمعنى أن الثقافة لا تحتكر التأثير على التنمية، بل أيضا إن التنمية لها تأثير على الثقافة وتسعى لتحولها.
فلا وجود لتنمية في غياب الثقافة، ولا وجود لثقافة فاعلة دون تنمية، وبالتالي لا سبيل لولوج عالم التقدم – في كل المجالات – في غياب علاقة تفاعلية بين الثقافة والتنمية، علاقة تجعل من التنمية مفعولا به تارة وفاعلا تارة أخرى، وتجعل من الثقافة فاعلا تارة ومفعولا به تارة أخرى.
محل الشاهد :
ـ أيّها الأحبَّة ـ عندما نستعيد ذكرى هذا الإمام، فعلينا أن ننفتح على علمه وعلى وصاياه وعلى تعاليمه، وأن نعيش معه في حياتنا، لأنَّ ما تحدَّث به ليس حديث مرحلة مضت لتموت مع موت المرحلة، ولكنّه حديث الإسلام كلّه، والإسلام باقٍ ما بقي الإنسان في الحياة، لأنَّ “حلال محمَّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة”.
أيها الاحبة ، يجب الاخذ في مواعظ ووصايا وتعاليم الامام الباقر ( ع ) ، فإذا أردتم أن تحزنوا بأستشهاده بمولده، فاحزنوا في أنفسكم، بأن تعيشوا كلّ هذا الأفق الواسع الّذي ينفتح على الله تعالى ، وكلّ هذه الروح الواسعة التي تنفتح على الإنسان، وكلّ هذا المنهج الواسع الّذي يغيّر الحياة من الشرّ إلى الخير، ومن الباطل إلى الحقّ، ومن الظلم إلى العدل.
هذا هو منهج الأئمة(ع)، فهل تسيرون في هذا المنهج؟ إنّ التحدّي ينشر في السّاحة، وعليكم أن تكونوا في مستوى هذا التحدّي.
فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم إنَّ التشبُّه بالكرام فلاحُ
محل الشاهد :
■ المحطة الاولى : نريد ان نعرف تعريف ( المؤمن و المسلم و المهاجر ) من هذه المدرسة المباركة ، والتي مصادرها موثوقة و معصومة عن الخطأ ، كيف لا و هي من مصادرها الرسول الخاتم محمد ( ص ) .
محل الشاهد :
مما يرويه الإمام الباقر (ع) عن رسول الله (ص) ، قال، قال رسول الله(ص): [ ألا أنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ـ فمن لم يكن أميناً على الناس في أنفسهم وفي أموالهم، فإنَّ الإيمان يسلب منه، لأن مسألة الأمانة هي الأساس، وقد ورد في الحديث عن النبيّ(ص) فيما روي عنه: ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ولا صلاة لمن لا يتم ركوعها وسجودها )، ـألا أنبئكم بالمسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر ـ ليس هو الذي يقطع المسافات، بل هو ـ من هجر السيِّئات وترك ما حرَّم الله، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة”، بحيث يعنف معه، لأنَّ الواجب أن يرفق به.
فمعنى ذلك إذاً، هو أنّنا نستطيع التعرّف إلى هويّة المؤمن والمسلم، فهو الإنسان الّذي يعيش مع الناس، وهو أمينٌ على أموالهم وأنفسهم وكرامتهم وأوضاعهم، فلا يسيء إلى أحد في قولٍ ولا فعلٍ، ولا يخون أحداً في مالٍ أو نفسٍ أو عرض، وأنَّ الهجرة ليست هجرة الجسد من مكان إلى مكان، ولكنها هجرة العمل، وهي أن تهاجر من السيّئات إلى الحسنات، وأن تهاجر من الشّرّ إلى الخير، فتلك هي المسافة الّتي تجعلك مهاجراً تحمل روحيّة المهاجر، لأنَّ الذين هاجروا مع النبي(ص)، إنما هاجروا من الشّرك إلى الإيمان، وهاجروا من كلّ قيم الشّرك إلى قيم الإيمان، وكأنَّ السَّبيل الوحيد لذلك هو أن يهاجروا مع رسول الله(ص)، لتأكيد قيم الإيمان في الموقع الجديد، وإسقاط قيم الشّرك في الموقع القديم.
محل الشاهد :
■ المحطة الثانية : نريد نعرف من هو الشيعي الحقيقي هذه الكلمات التي سنتلوها بحديث الإمام الباقر (ع)كاشفة عن صفة الشيعة وفيما يريده من الشيعة، ففي الخطّ الإسلاميّ الأصيل، نجد أنَّ التشيّع ليس حالةً منفصلة عن الإسلام، بل هو الإسلام في كلِّ أخلاقيّته وفي كلّ إحساس الإنسان بالمسؤوليّة عن الإنسان الآخر.
عن أبي إسماعيل قال: “قلت لأبي جعفر محمّد الباقر(ع): جعلت فداك، إن الشيعة عندنا كثير”، فقال(ع): “فهل يعطف الغنيّ على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء ويتواسون؟”، فقلت: لا، فقال: “ليس هؤلاء شيعة، الشّيعة من يفعل هذا”، لأنّ الشّيعيّ هو الّذي يتحرَّك في خطّ أخلاقيَّة الإسلام في المسألة الاجتماعيَّة، وهو أن يعطف على الفقير، وأن يحسن إلى المسيء، وأن يواسي أخاه بنفسه وبماله، فمن لم يفعل ذلك، فإنّه ينحرف عن خطِّ الإسلام، وبذلك ينحرف عن خطِّ التشيّع.
في حديثٍ آخر عن شخصٍ يسمَّى “خيثمة”، قال: “دخلت على أبي جعفر أودِّعه، فقال: يا خيثمة، أبلغ من ترى من موالينا السّلام وأوصهم ـ والوصيّة لنا جميعاً ـ بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيّهم على فقيرهم، وقويّهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم ـ أي أن يتزاوروا ـ فإنّ لُقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرهم، رحم الله عبداً أحيا أمرنا ـ لأنّ أمرهم، كما قلنا، هو الإسلام كلّه بكلّ عقائده وشرائعه وقيمه وأخلاقه ـ يا خثيمة، أبلغ موالينا أنا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلا بعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع ـ فقضيّة الولاية ليست قضيّة نبضة قلب وخفقة حساس، ولكنَّ الولاية هي أن توالي الله تعالى فتطيعه، وأن توالي رسول الله(ص) فتتبعه، وأن توالي أهل البيت(ع) فتتحرَّك مع منهجهم في طاعة الله سبحانه وتعالى ومحبَّته في ذلك كله.
وإنَّ أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة، من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره”، فإنكم عندما تلتزمون ولايتنا التي هي الولاية في خطّ الله ورسوله، وعندما تنتمون إلينا، ونحن نمثّل الإمامة في خطّ الإسلام، فمعنى ذلك أنّكم تتحدّثون مع الناس عن العدل الّذي تمثّله هذه الولاية، وعن الحقّ الذي تنطلق فيه، فإذا خالفتم ذلك، فستكونون أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة، لأنّكم تحدّثتم عن عدل وكنتم أول من خالفه، فدخل الناس الذين أخذوا بكلامكم في العدل الجنة، ودخلتم أنتم الذين وعظتم الناس النار، لأنَّكم لم تعملوا بالعدل الَّذي وصفتموه.
■ المحطة الثالثة : معرفة ماهو الاسلوب الانجح في التعامل مع الاخرين ، فنلاحظ ان الامام الباقر ( ع ) يؤكد على الرفق وان اسلوب الرفق هو اساس الحياة .
الرّفق أساس الإيمان وبناء الاوطان
نطلّ على ما يعيشه الناس من الجدل ، ولا سيَّما فيما ينسبه الغرب إلى الإسلام والمسلمين من أنَّ الإسلام دين العنف، وأنَّ المسمين، ولا سيما الحركيين، يعتبرون العنف هو الوسيلة الوحيدة لتغيير الواقع وللتَّعامل مع الناس الآخرين.
إنَّ في مدرسة اهل البيت ( ع ) مدرسة الخاتم ( ص ) تؤكد ان الرفق هو اساس الاسلام .
محل الشاهد :
ايها الاحبة : أنَّ الرّفق هو أساس الإيمان، وأنّه هو الأصل في حركة الإنسان المسلم على مستوى الدَّعوة والحركة والعلاقات مع الآخرين. فوحده العنف ينطلق في مواجهة العنف الّذي يتوجّه إليك بطريقة دفاعيّة في حالة الاعتداء الفعليّ، وبطريقة وقائيّة في حالة الاعتداء الشّأنيّ، الذي يمكن أن يطلّ عليك لو لم تبادر بدفعه عنك.
لقد قال الإمام الباقر(ع): “إنَّ لكلِّ شيء قفلاً، وقفل الإيمان الرّفق”، والرفق، كما هو معلوم، ضد العنف ـ إنه اللين ـ وحلّ الأمور بالطرق السّلميّة.
وهنا قد يبدو هذا التعبير غريباً بأن يكون الرفق قفلاً للإيمان، لأنّ من لم يرفق يعنف ، فمن الطّبيعيّ أنّ الإنسان الَّذي لا يتناول الرّفق كوسيلة، لا بدّ له من أن يكون العنف وسيلته، فيعنف على الآخرين ويغضب، فيحمله الغضب على قول أو فعل يخرج الإيمان من قلبه، فالرفق قفل للإيمان يحفظه، فإذا أنت التزمت الرفق، فالرفق يبعد عنك كل مواقع السلوك التي قد تؤدي إلى ما يغضب الله، وإلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
ولقد قال الرسول الخاتم (ص): ( إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ) يعني لو وضع على الكلمات، ووضع على الأفعال وعلى العلاقات وعلى المواقف، فإنه يزيّنها ويحسّنها ويجعلها في صورة جميلة تجذب الناظر ـولا نُزع من شيء إلا شانه”، يعني لو تحرك الإنسان في بيته مع زوجته وأولاده، أو مع جيرانه، أو مع الناس، أو في خطّ الدعوة إلى الله، أو في خط التعامل مع الناس بالعنف، بحيث رفع الرفق، وأعلن بدلاً عنه العنف، فإنّ ذلك مما يعيبه، لأنّه يجعله يحمل بعض المواصفات الّتي لا تتناسب مع خطّ التوازن والخير في حياة الناس الآخرين.
فإذاً، نفهم من هذا ـ أيها الأحبّة ـ أنَّكم عندما تدخلون في الجدل الَّذي يوجّهه الاستكبار الكافر والاستكبار الظالم في أنَّ الإسلام دين العنف، قولوا إنَّ الإسلام دين الرفق، وإنّ ما جاء في القرآن وفي أحاديث النّبيّ(ص) والأئمّة من أهل البيت(ع)، تؤكّد أنَّ الرفق هو الأصل، وأن العنف إنما يكون في مواجهة من يفرض العنف عليك، تماماً كمثل العمليَّة الجراحيَّة التي تقوم بها عندما يتحدّاك الخطر الصّحّي الذي يسقط حياتك أو يتهدّدها بالهلاك، وإنَّ ما يتحرّك به المسلمون في حركة المقاومة ، هو دفاع عن النفس ضدّ عنف الظلمة وضدّ عنف المستكبرين، فالعنف الإسلاميّ ـ إذا صحّ مثل هذا التعبير ـ هو ردّ فعل لعنف الآخرين عندما لم يستطع الإسلاميون أن يدافعوا عن أنفسهم وعن حريّتهم إلا بهذه الطريقة.
■المحطة الرابع : هنا سنتعرف على ماهي الدنيا وكيف يعبر عنها الامام الباقر بسوق العمل ، في بالحديث الَّذي جرى بينه وبين “عمر بن عبد العزيز”، أحد الخلفاء الأمويين، وكان الإمام فيه واعظاً وموجّهاً.
فلنقرأ تاريخ هذه القصّة، ينقل (الصّدوق) في (الخصال) بسند مفصّل في الحديث عن “هشام بن معاذ”، قال: “كنت جليساً لعمر بن عبد العزيز، حيث دخل المدينة فأمر مناديه فنادى: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليأتِ الباب، فأتى محمّد بن علي، يعني الباقر(ع) ، فدخل إليه مولاه (مزاحم)، فقال: إن محمد بن علي بالباب، فقال له: أدخله يا مزاحم، قال: فدخل وعمر يمسح عينيه من الدموع، فقال له محمد بن علي(ع): ما أبكاك يا عمر؟ فقال هشام: أبكاه كذا وكذا يا بن رسول الله، فقال محمد بن علي ـ وكأنَّه سمع منه أن ما أبكاه هو شأن من شؤون الدّنيا التي تبعث الألم في النّفس ـيا عمر، إنما الدنيا ـ وهذا الحديث لنا أيضاً ـ سوق من الأسواق ـ ولكنّنا دخلنا هذه السّوق كما ندخل السّوق العاديّة ـ منها خرج قوم بما ينفعهم، ومنها خرجوا بما يضرّهم ـ كمن يشتري الأشياء الَّتي تتَّصل بها عاداته، ولكنها تضرّه في صحَّته، أو التي تضره في عقله، كمن يدخل السّوق ليشتري الخمر أو ما إلى ذلك ـ وكم من قوم قد ضرّهم بمثل الَّذي أصبحنا فيه ـ بمثل الذي أصبحنا فيه من الغفلة ـ حتى أتاهم الموت فاستوعبوا، فخرجوا من الدّنيا ملومين لما لم يأخذوا لما أحبَّوا من الآخرة عدّةً، ولا مما كرهوا جُنّةً ـ درعاً يقيهم من النّار ـ قسّم ما جمعوا من لا يحمدهم ـ قد جمعوا المال وقسمه الورثة الّذين لا يحمدونهم، لأنهم لم يتركوا لهم شيئاً كبيراً وما إلى ذلك ـ وصالوا إلى مَن لا يعذرهم ـ صاروا إلى الله الَّذي أقام عليهم الحجّة، وكانت له الحجّة عليهم ـ فنحن والله محقوقون ـ يعني أنّ الحق علينا في ـ أن ننظر إلى تلك الأعمال التي كنا نغبطهم بها فنوافقهم فيها ـ أي عندما يموتون ويذهبون، فعلينا أن ندرس واقعهم، فنوافقهم في الصالحات من الأعمال ـ وننظر إلى تلك الأعمال التي كنا نتخوّف عليهم منها، فنكفّ عنها، فاتّقِ الله، واجعل في قلبك اثنتين: تنظر الذي تحبّ أن يكون معك إذا قدّمت على ربّك بين يديك ـ أي عندما تعيش صداقاتك وانتماءاتك، أو عندما تعيش أعمالك، فكّر: من هو الَّذي تحب أن يكون معك في حشرك ليحشر معك وتحشر معه؟! وأي عمل تحبّ أن يرافقك في موقفك يوم القيامة؟ فاعمله ولا تستغرق فيما تحبّه وفيمن تحبّه في دنياك، لأنَّك قد تواجه واقعاً ليس مريحاً، فانظر الذي تحبّ أن يكون معك، فقدّمه بين يديك ـ وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك ـ فلو فرضنا أنَّ أحدهم قال لك أتحبّ أن تحشر مع فلان أم لا؟! فلا بدَّ أن تعرف أنَّ للارتباط انتماءات سياسيّة وأخرى شخصيّة، فهناك من النّاس الظّلمة ممن يعيش الإنسان الانحراف معهم، فلو قال لك هل تحبّ أن تحشر مع هذا الإنسان الظّالم المنحرف، فإنك ـ بالتأكيد ـ تكره ذلك. إذاً، عليك أن تتحفَّظ في علاقاتك ـ وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت على ربك، فابتغِ به البدل، ولا تذهبنَّ إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك ـ أي أنك لا تحاول أن تأخذ السّلعة التي بارت عند غيرك حتى تجوز عندك ـ واتّق الله عزّ وجلّ يا عمر ـ هنا تحدَّث الإمام مع عمر المسؤول، وفيما سبق تحدّث مع عمر الإنسان ـواتق الله عزّ وجلّ يا عمر، وافتح الأبواب، وسهّل الحجاب، وانصر المظلوم، وردّ المظالم ـ لأنَّ موقعك يفرض عليك أن تنفتح على الناس، وأن لا تغلق بابك عنهم، وأن تردّ ظلامة كلّ مظلوم.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار