المحلية

الحب بأختصار

🖋️ *الشيخ محمد الربيعي*
يعتبر الحبّ من أشهر وأهمّ المواضيع التي تناولها المحلّلون النفسيّون، حيث يشكّل قيمة مهمّة في أبحاثهم القديمة والمعاصرة، لهذا فقد تعدّدت تعريفات الحبّ واختلفت، فالحبّ كما يفيد علم النفس هو مجموعة من التصرّفات التي تُصحب باهتمام قويّ وفريد لشخص ما مع التأثر به بدرجة كبيرة، وهو أيضاً شعور قويّ بالتعلّق والحاجة إليه، وكذلك هو عبارة عن شعور مباغت بالانجذاب والتأثّر بشخص ما يتعرّض له الإنسان في حياته، وهو أيضاً عبارة عن مجموعة من المشاعر التي تقوم على بعض القيم السامية مثل الاهتمام والاحترام الذين يكنّهما الشخص لشخص آخر، بالإضافة إلى أنّه خيار بتقديم المساعدة لشخص معيّن، وتعريفات الحبّ الكثيرة التي وافق عليها علم النفس تلخص إلى أنّه مزيج من المشاعر السامية تجاه شخص بعينه، وهو ما يؤدّي إلى أن يصبح هذا الشخص ذا مكانة عالية في حياة الإنسان، ويجدر التنويه هنا إلى أنّ مفهوم الحبّ لا يقتصر على حبّ إنسان لآخر وحسب، بل إنّه قد يكون شعوراً موجّهاً تجاه مفهوم معيّن كحبّ الخي،ر أو أن يكون موجّهاً لحيوان على سبيل المثال، كأن يحبّ الإنسان قطّته.
 الحب معنى شريف نبيل اودعه الله تبارك وتعالى في قلوب الناس ليجعل لحياتهم طعما جميلا ممتعا، فان الحياة بلا حب كصحراء جرداء قاحلة مخيفة، اما الحب فيحوّلها الى واحة خضراء مؤنسة، والحب يعطي للحياة معنى وجدوى لأنه يولّد عند الانسان املا وغرضا وهدفا يحيى ليحققه وهو الوصول الى محبوبه، سواء كان هذا المحبوب امرا معنوياً كالقرب من الله تعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) والائمة الطاهرين (سلام الله عليهم)، او ماديا كالمال او الشهرة او السلطة او الاتصال بالجنس الاخر، ولولا هذا الامل لأصبحت الحياة بلا هدف ولا معنى مما يؤدي الى الشعور بالاحباط واليأس والموت.
فالحب اذا نعمة الهية عظيمة، وقد نسب الله تعالى وجوده في قلب الانسان اليه تبارك وتعالى كما في العلاقة الزوجية (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) / الروم21 او بين الاخوة المتحابين في الله تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ…… وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) / الأنفال63، بالحب تعمر الحياة لان الانسان اذا لم يحب شيئا فانه لا يتحمس لفعله والتحرك باتجاهه، اما اذا احبَّ فانه يضحي من اجل حبه ويذوب في محبوبه كالوالدين بالنسبة لأبنائهما، او القائد الرسالي بالنسبة الى شعبه، وهكذا، لذا ليس غريباً أن نجد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) (الدين هو الحب، والحب هو الدين)  وعن الامام الصادق (عليه السلام) (هل الدين الا الحب؟ إن الله عز وجل يقول (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) / آل عمران31) لأن الدين محرّك ودافع لكل عمل مثمر يجلب الخير والسعادة له وللآخرين، والحب هكذا أيضا فهما يلتقيان دائما.
لكن المشكلة في تحريف هذا العنوان الشريف النبيل وإفراغه من محتواه بل تحويله الى عكس معناه ككثير من المصطلحات والعناوين .
فاصبح الحب يعني العلاقات المشبوهة بين الجنسين واتباع الشهوات والنزوات بلا تعقل وروية وخارج اطارها الصحيح مما يولّد مشاكل اجتماعية وآثار نفسية تكون عاقبتها وخيمة وان بدت في اوّلها كأنها سعادة ومتعة، ويوجد من يغذّي هذا المعنى السيء للحب بين الشباب وخصوصا في  الجامعات ويهيؤون البيئة المناسبة له، ويمجّدون من يقع فيه لاستدراج الآخرين وكسر الحواجز الاخلاقية والاجتماعية والنفسية والدينية، وتنتج دور السينما والتلفزيون والمسرح سيلا متواصلا من الافلام والمسلسلات لتحقيق هذا الغرض وتساندهم وسائل الاعلام المختلفة وهذا كله انحراف عن الفطرة السليمة وخروج عن الروابط الاجتماعية المتينة وتحطيم للأطر الصحيحة التي تنظم العلاقة بين الجنسين، وهذا تشويه لمنعى الحب ومصادرة له وتحوياه الى معنى سيء، وهو ليس حبا اصلاً ولا يمكن تسميته بالحب بل هو اتباع للنزوات والشهوات الحيوانية التي لا يمكن اعطاء عنوان الحب لها.
 ان الحب الانساني الحقيقي هو ما يتعلق بمن يستحق الحب وهو الله تبارك وتعالى، لان كل ما يوجب المحبة متحقق فيه سبحانه، فالله تعالى جميل ويعرف ذلك من لمساته الجميلة على الكون وما فيه من حولنا، والقلب يحب الجمال والله تعالى محسن الينا وقد تولاّنا بإحسانه ونعمه قبل ان نكون وبعد ان كنّا، والانسان مجبول على حب  من احسن اليه، والله تعالى يحبنا ويشفق علينا حتى جعل من احبّ الاشياء اليه تعالى الاحسان الى المخلوقين، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال (الخلق عيال الله، فاحبّ الخلق الى الله من نفع عيال الله، وادخل على اهل بيت سروراً)، ومقتضى المقبلة ان نبادله تعالى الحب وقد اثنى تعالى على قوم يبادلونه هذا الحب (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة / 54، وهكذا فان كل مقومات الحب متوفرة فيه تعالى.
ويتفرع عن حبّه تعالى حب من يرتبط به ومن امرنا بحبّه كرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والائمة المعصومين (عليهم السلام) والاخوة المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال (افضل الاعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى).
وكذلك فان حب الابوين والزوجة والاولاد داخل في هذا  الاطار وهو مبارك من الله تعالى ويثيب عليه لأنه مما ينسجم مع الفطرة، لكنه متى خالف ما يحبّه  الله تعالى وخرج عن تعاليمه فهو مذموم ويجب رفضه ونبذه (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة / 24.
  ولكي يكون الحب صادقا فلا بد ان تظهر اثاره على المحب من التملق للمحبوب والحرص على ارضائه والمسارعة الى تحقيق مرادهن فالحب لله تعالى لا بد ان يقترن بطاعته تبارك وتعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه واله) والابتعاد عن معصيته قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (آل عمران31)
تعصي الاله وانت تزعم حبَّه                  هذا لعمري في الفعال شنيع
لو كان حبّك صادقا لأطعته                   ان المحب لمن احبَّ مطيعُ
ولا بد ان يـُبنى الحب على المعرفة ليكون راسخاً، لان المجهول لا يمكن أن تتعلق به المحبّة، ولو تعلّقت فلا تدوم، فعلينا أن نزداد معرفة بالله تعالى لنزداد حباً، ومن دون النظر بعين المعرفة والبصيرة فإننا لا ندرك معنى حب الله تعالى ولا نستطيع فهم حب عابس الشاكري للإمام الحسين (عليه السلام) بذلك الشكل الذي اذهل الأعداء والأصدقاء على حدٍ سواء، يُحكى أن قيس المجنون بحبِّ ليلى قيل له أن ليلى ليست بذاك الجمال الذي يُصيب بالجنون وتهيم في الصحراء شوقاً الى لقائها، قال قيس: ذلك لأنكم نظرتم الى ليلى بعيونكم وليس بعيني، فإذا لم ننظر الى هذه الحقائق المعنوية بعين المعرفة والبصيرة فإننا لا ندركها.
اذن حب الانسان للانسان الاخر والانجذاب له وفق الحدود التي حددها شريعه والمنطلق من حب الله تعالى ، والذي لا ينطلق الى المحيط الخارجي ، لا ضرر فيه ، اما اذا تحرك ذلك الحب الى محيط الخارجي قد لا يأمن و اكيدا سيحيط به مكر الشيطان للوقوع بما لا ترتضيه الشريعة فهنا يقع المنع .
من هنا يسأل الكثير من الشباب والشابات عن مشروعية الحب بين الجنسين، إذ أن الكثيرين منهم يحسّون بذلك تجاه البعض الآخر، وربما يرونه مقدمة لحصول الزواج. فهل مثل هذا الحب جائز؟
ج: بسمه تعالى: المشاعر القلبية – كالحب- خارجة عن اختيار الإنسان فلا يحاسب عليها، نعم يحاسب على أحد أمرين.
الأول: اذا حركته تلك المشاعر للقيام ببعض التصرفات كالخلوة المحرّمة، بمن يحب واللمس فضلاً عما هو أكثر.
الثاني: مقدمات وأسباب تلك المشاعر، فإنها لا تحصل غالباً بشكل مركز في القلب من نظرة عابرة ونحوها.
وإنما تحصل وتتعمق في النفس بمقدمات اختيارية للفرد بتركيز النظر والمتابعة والانبساط في الحديث والمؤانسة، والضحكات المتبادلة.
فهذان الأمران داخلان تحت اختيار الفرد وإرادته فيحاسب عليهما.
و الشريعة تنصح بإغلاق هذا الباب، وإذا حصل إعجاب بالجنس الآخر فليعرض فوراً عنه وليهمله حتى يتلاشى.
وإلا فانه سيكون شاغلاً لقلبه ومشوشاً لعقله ومربكاً لتفكيره مضافاً إلى ما يمكن أن يقع فيه من المعاصي والمخالفات الشرعية.
والارتباط بالجنس الآخر مباح بل مستحب ومن السنن المباركة إذا كان ضمن الاُطر الشرعية –اعني الزواج- وبحسب الأصول والتقاليد الاجتماعية المتعارفة وسيكون مثل هذا الحب إلهياً مباركاً فالشارع المقدس لا يريد كبت المشاعر والعواطف ولا إلغاءها ولكن يريد أن يوظفها في الاتجاه المثمر البناء وليس في الاتجاه الذي يوقع في الخطأ والخطيئة، ويوجب العار الاجتماعي خصوصاً على الفتاة وأهلها.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق واهله

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار