مقالات

سبايكر: لحظة تأمل

محمد عبد الجبار الشبوط:-
لست اجد في سبايكر فرصة للحزن والبكاء. فلا جديد في حزننا. نحن في حالة حزن وبكاء منذ العاشر من محرم سنة ٦١ هجرية. منذ ذلك اليوم الاسود الملطخ بالدم ونحن في حالة حزن، في حزن مقيم لا تقطعه لحظات فرح وهمية بين الفينة والاخرى.
لن احزن في يوم سبايكر. عندي من الاسباب ما يكفيني لكي احزن، ولا اريد ان اضيف سببا اخر. فهذه الاضافة لن تفيد. لن تزيد الدموع.
في يوم سبايكر اجدني في حاجة الى ان اختطف لحظة من زمن الحزن المقيم في جوانحي لكي اتأمل وافكر. فما ينقصنا فعلا هو التأمل والتفكير. فنحن امة قلما تتأمل وتفكر. اننا لا نفكر بقدر ما نحزن. ولو كنا نفكر بقدر ما نحزن لربما تغير حالنا الى غير حال.
مشاهد الاشخاص، البشر الذين جعلهم الحقد والتعصب وحوشا كاسرة، وهم يقتلون اخوانهم في الانسانية وشركاءهم في الوطن، مرعبة، مخيفة. فكيف يمكن ان يتحول انسان مثلي، يشاركني في كل شيء، الى وحش كاسر يقتل الانسان بدم بارد، يقتل بدون لحظة تفكير في امكانية ان يكون ما يقوم به جرما فاحشا؟! كم هي كمية الحقد والتعصب التي يختزنها هذا البشر الممسوخ قردا في سريرته بحيث تكون كافية لتحويل القتل الى متعة، والدم الى شراب سائغ؟ كيف غاب عن ذهنه قول الله:”مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”؟
لا يمكن ان يكون هذا الحقد المشبع بطائفية مقيتة وليد اللحظة ولا وليد يومه. ان الانسان، ذلك الذي كرمه الله بالعقل، لا يمكن ان ينقلب على عقبيه حيوانا متوحشا بلحظة. انه سوف يحتاج الى زمن طويل لتتشوه كل الخلايا العصبية في رأسه ليصبح مخلوقا مشوها يتلذذ بالقتل وسفك الدماء البريئة.
سبايكر هي لحظة تفجر هذا الحقد المتراكم منذ سنين، لا اقله منذ استولى البعث على السلطة في العراق وهو يحمل كل ذلك الحقد الطائفي الموغل بالتخلف والحيوانية والوحشية والقسوة. لم تولد سبايكر فجأة، فقد كانت ولادة لحمل مشوه تغذى على الحقد لاكثر من ثلاثين سنة كان الخطاب البعثي يزرع فيها كل بذور الكراهية والتعصب في اذهان الناس، حتى انتجت هذه التربية اولئك الاشخاص الذين سولت لهم انفسهم قتل اخوانهم في الانسانية والوطن والدين. سبايكر احدى الثمار العفنة لما فعله البعث في المجمتع العراقي. لقد عبث البعث في “عدادات” هذا المجتمع، الى الدرجة التي صار من الممكن فيها ان يلد مجموعات تتلذ بالقتل مثل مجموعة سبايكر وداعش وغيرهما.
وفي لحظة التأمل المرعب هذه، نكتشف ان العوامل النفسية والاجتماعية التي انتجت سبايكر ما زالت موجودة. ليس من الآمن ان ننكر ان عوامل الحقد والتعصب و رفض الاخر مازالت موجودة في شعور او لا شعور المجتمع العراقي. انها هناك ما زالت ترقد في الخلايا الخلفية والبنية التحتية لعقل بعض شرائح المجتمع وهي قابلة للانفجار في اية لحظة، انفجار يعبر عن نفسه بالقتل والدمار وتصفية الاخر.
سبايكر حادثة رهيبة وجريمة مروعة وانتكاسة جارحة لكل قيم الانسانية والمروءة والاخوة والشرف. والذين ارتكبوها اناس نزعت التربية البعثية المتخلفه من نفوسهم كل عناصر الحب والخير، وجعلتهم قردة خنازير قادرين على فعل الشر بامكانية مطلقة. والمرعب ان هذه البذور مازالت موجودة في بعض النفوس وكأن واقعة سبايكر لم تكن كافية لتنظيف المجتمع العراقي من ادرانه التي تراكمت فيه طيلة سنوات حكم البعث العجاف. وحين نستعيد الذكرى الدموية المؤلمة لسبايكر، فما احرانا ان نعمل على تغيير تلك البيئة النفسية والاجتماعية والطائفية التي سمحت لبذور الحقد ان تتفجر قتلا واجراما. نحن بحاجة الى اعادة انتاج وتأهيل المجتمع العراقي بتلك الصيغة التي عبر عنها ابن ادم وهو يقول لاخيه:”لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ؛ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ”.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار