المحلية

التعصب بالحزب وبدونه!

محمد عبد الجبار الشبوط
(١)
الحزب بحد ذاته، بوصفه مؤسسة سياسية، ظاهرة صحية ملاصقة للدولة الحضارية الحديثة وملازمة للديمقراطية. وتوجد احزاب في كل الدول ذات الديمقراطيات الكاملة وعددها ٢١ دولة في العالم. وتشهد هذه الدول حياة حزبية سليمة من معالمها التنافس السلمي بين الاحزاب، وتقاسم الادوار بين حزب حاكم واحزاب معارضة، وممارسة للنشاط الحزبي في جو امن … الخ.
في غير هذه الدول نشاهد ثلاث حالات:
الحالة الاولى: عدم وجود احزاب معلنة ومجازة.
الحالة الثانية: انظمة الحزب الواحد.
الحالة الثالثة: تعددية حزبية اقرب الى الفوضى.
وحين تنشأ الاحزاب في دول لم تصعد درجات كبيرة في سلم التطور الحضاري الحديث، وهي الدول ذات المجتمعات المتخلفة عموما، فان التخلف سرعان ما يفرض نفسه على احزاب هذه المجتمعات، ونادرا ما تفلت الحياة الحزبية من امراض المجتمع المتخلف، فتصاب هي بها، بل تفقد القدرة على معالجتها وتغيير مجتمعها المتخلف، فتحصل عملية اعادة انتاج للتخلف على صعيد الاحزاب ذاتها. ويمكن للباحث ان يرصد الكثير من الخصائص السلبية في الحياة الحزبية للمجتمعات المتخلفة.
والعراق يصلح ان يكون انموذجا لدراسة الحالة الحزبية في مجتمع متخلف. فقد بدأت الظاهرة الحزبية في اوائل القرن الماضي مع بداية تأسيس الدولة العراقية، ونشأت احزاب من مختلف المشارب، مات بعضها، وبقي البعض الاخر مثل الحزب الشيوعي، في ظل النظام الملكي، ثم الجمهورية الاولى. وفي الجمهورية الثانية، التي حكمها حزب البعث من سنة ١٩٦٨ الى سنة ٢٠٠٣ تم اعتماد نظام الحزب الحاكم الواحد مع السماح بوجود شكلي وهامشي لبعض الاحزاب، فيما لجأت الاحزاب الاخرى الى العمل السري. وشهدت الجمهورية الثالثة (من عام ٢٠٠٣ الى الان) ما يشبه الانفلات في تشكيل الاحزاب في كثرة كاثرة غير مبررة، رافقها استياء شعبي عام من الاحزاب، حتى اصبحت كلمة الحزب من الكلمات غير المحببة في الذائقة الشعبية العراقية.
ومن ابرز الخصائص السلبية التي اصيبت بها الحياة الحزبية في العراق هي العصبية الحزبية، او التعصب، او التشدد، او التطرف، مع الاختلاف النسبي في دلالة كل من هذه المفردات. ويظن بعض الباحثين ان التعصب من منتجات البشرية القدية في تاريخ قد يعود الى عام ٣٠٠٠ ق م. وتروى عن الرسول محمد (ص) احاديث بعضها صحيح وبعضها ضعيف يستخدم فيها مصطلح “العصبية”، كما في النص التالي:”ليسَ منَّا مَن دعا إلى عَصبيَّةٍ ، وليسَ منَّا مَن قاتلَ عصبيَّةً، وليسَ منَّا من ماتَ علَى عصبيَّةٍ”. ويروي المفسرون قصة في تفسير قوله تعالى: “يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُون.” (المنافقون 8) مفادها ان رجلين من المسلمين احدهما من الانصار والثاني من المهاجرين ازدحما على ماء فاقتتلا فصرخ احدهما يا معشر الأنصار و صرخ الثاني يا معشر المهاجرين. وكان هذا من العصبية.
والعصبية تعني كما تفيد هذه القصة ان ينحاز الشخص الى قومه بغض النظر عما هو حق او باطل. ودرس علم النفس السياسي وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع هذه الظاهرة، حيث اتضح ان العصبية او التعصب تنطوي على تصور الشخص المتعصب انه يملك وحده الحقيقة، وانه وحده على حق، وان غيره على باطل، ويعتقد ان الخير كله في جماعته فقط، وان الشر كله لدى الاخرين، الذين يسهل عليه ايجاد الاسباب الشيطانية وراء مواقفهم وتصرفاتهم. ويخلق التعصب الارضية المناسبة لدى ذهن المتعصب في نفي الاخر واقصائه وحتى قتله بدم بارد، كما كانت تفعل الاحزاب العراقية فيما بينها ابان حكم عبد الكريم قاسم وكما فعلت داعش بمن خالفها سياسةً او مذهبا او دينا.
يتبع

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار