مقالات

صناعة الشر

محمد عبد الجبار الشبوط :-
لا اخفي مخاوفي من امكانية او احتمال ان يتحول الشد السياسي الحالي الى شد اجتماعي/ اهلي قد ينفجر على شكل صدام عنيف بين ابناء المجتمع عند اول خطأ من اي طرف.
لا جدال بان الخلافات السياسية تعصف بين الفرقاء السياسيين عندنا، وبخاصة بين طرفي المجتمع السياسي الشيعي، عنيت التيار الصدري بقيادة السيد مقتدى الصدر، والاطار التنسيقي بقيادة نوري المالكي وهادي العامري واخرين.
واذا كانت الخلافات بين الطامعين بالسلطة امر معروف في كل المجتمعات، فان الخطر يكمن في نزول هذه الخلافات الى الطبقات الدنيا في المجتمع، التي تطور الخلافات الى ابعد من طابعها السياسي. وعند ذاك سوف يكون من الصعب التحكم بافراد متحمسين او متعصبين مسلحين، الامر الذي يجعلهم ينزلقون الى ممارسة الشر، او القتل بحق الطرف الاخر. انا اؤمن ان الانسان لا يولد شريرا، وقد لا يولد خيّرا ايضا، ولكنه يسير في احد الاتجاهين تحت ضغوط خارجية تجعل حتى الطيب من الناس يرتكب اعمالا شريرة.
ينص القران على امكانية النفس الانسانية السير في الطريقين: طريق الشر وطريق الخير. “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا”.
ولم تبتعد دراسات عام النفس العام وعلم النفس السياسي والاجتماعي عن هذه الحقيقة بعيدا. فالانسان قادر على ارتكاب الشر او القيام بالخير مدفوعا بنوازع ذاتية او متأثرا ببيئة خارجية. وقد دلت احداث التاريخ القديم والحديث على صدق هذه المقولة، ويمكن استرجاع جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها هتلر ستالين وصدام حسين وبول بوت والمتطرفون في رواندا وداعش في العراق وسوريا. وقد نفذ كل هذه الجرائم بشر من لحم ودم، لكنهم ينظرون الى البشر الاخرين نظرة اخرى تسوّغ لهم سلبهم الحياة بدم بارد. وهذا ما يسميه علماء النفس السياسي “الميل الممنهج والمنظم لتجريد الضحايا من انسانيتهم”. يقول جيمس وولر في هذا الصدد:”ان وضع الضحايا خارج دائرة واجباتنا الاخلاقية واعتبارهم غير جديرين بالعطف تبعا لذلك يزيل الضوابط الاخلاقية امام البشر للعدوان. ان جسد الضحية المجرد من بشريته لا معنى له، انه نفاية، وازالته امر تقتضيه النظافة لا غير. وفي هذه الحالة لا يكون هناك اي اطار اخلاقي او عاطفي يربط يربط المعتدي بالضحية ويردعه عن القتل”. وقد شاهدنا مصداق هذا الكلام ودليله في الجرائم التي ارتكبها الداعشيون، وهم عراقيون، بحق مواطنيهم العراقيين، الذين يشاركونهم الوطن والقومية والدين واحيانا المذهب. كل ذلك لان هذا الداعشي عاش نمطا من الاعتقادات يسوّغ له ارتكاب الشر دون ان يشعر بالاسى او الندم على ذلك.
واليوم ليس من الصعب ملاحظة ان حدة الخصام اللفظي على الاقل تتصاعد خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي بين مواطنين عاديين امتدادا للخلافات والصراعات بين السياسيين غير القادرين على الاتفاق والتوصل الى تسويات ودية تخفض حرارة المناخ السياسي في البلد.
لا اخفي القاريء العزيز انني متخوف جدا من زيادة حدة الخصام وانفجاره بشكل يزين فعل الشر لدى بعض الناس بعضهم ضد البعض الاخر، في ظل غياب الشعور القوي بالمواطنة ووحدة الانتماء الى الوطن والانسانية، وفي ظل غياب “قواعد الاشتباك” التي تضبط ايقاع الخلافات وحصرها في اطار السياسة والمجتمع السياسي وتحول دون تسربها الى المجتمع الاهلي.
ومما يزيد من قلقي حقيقة انه من الصعب التحكم بالجمهور وضبطه اذا فلت الزمام، وفقد “القادة” امكانية التحكم بجمهورهم كما حصل اثناء القاء السيد مقتدى الصدر خطابه في ذكرى استشهاد المرجع محمد محمد صادق الصدر.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار