المحلية

اصول الدولة الحضارية الحديثة عند الصدر (٢)

محمد عبد الجبار الشبوط..

الاصل الخامس: الشرط الاساس لنهضة الامة.
كانت اطلالة الشهيد الصدر على هذا المجال الواسع هو حديثه المبكر عن الشرط الاساس لنهضة الامة. فقد كتب افتتاحية مجلة “الاضواء” التي كانت تصدر في النجف الاشرف انذاك. ومما جاء في تلك المقالة القيمة قوله:
“ان الشرط الاساسي لنهضة الامة -اي امة كانت- ان يتوفر لديها المبدأ الصالح الذي يحدد لها اهدافها وغاياتها ويضع لها مثلها العليا ويرسم اتجاهها في الحياة فتسير في ضوئه واثقة من رسالتها مطمئنة الى طريقها متطلعة الى ما تستهدفه من مثل وغايات، مستوحية من المبدأ وجودها الفكري وكيانها الروحي”.
وما يهمنا في هذا النص التأسيس هو مصطلح “المبدأ الصالح”. وهو امر يتفق الناس على مفهومه، لكنهم قد يختلفون على مصداقه. ويمكن ان تتفاعل الاراء فيما بينها حتى تسفر عن مفهوم واحد مشترك جامع. ومن اجل هذا طرحتُ فكرة “منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري”، وهي تتجاوز الثنائيات المتقابلة مثل الديني والعلماني، الاسلامي وغير الاسلامي، وغيرها، لتطرح العناوين القيمية العليا المشتركة بين البشر بغض النظر عن الدين او المعتقد السياسي.
ان المبدأ الصالح يمكن ان يكون الاسلام بالنسبة لمجتمع اسلامي يؤمن بالاسلام ويطبقه، ويمكن ان يكون غيره في مجتمعات اخرى حققت النهضة مثل اليابان وغيرها. المهم في الامر ان يكون المبدأ الصالح قادرا على تفعيل المركب الحضاري بشكل يحقق النهضة.

الاصل السادس: مفهوم المثل الاعلى
طرح السيد الصدر في سياق حديثه عن حركة المجتمع الحضارية مفهوم المثل الاعلى للمجتمع، وذكر وجود ثلاثة انواع هي: المثل الاعلى التكراري، والمثل الاعلى المحدود، والمثل الاعلى المطلق. وتأتي فكرة الدولة الحضارية الحديثة كهدف يغطي مساحة كبيرة من المستقبل في طريق او سياق الهدف الاعلى المطلق. يمكن ان تكون الدولة الحضارية هدفا اعلى للمجتمع، قابلا للتحقق كما تثبت الخبرة التاريخية للبشرية.

الاصل السابع: الاتجاهات التاريخية الموضوعية
بين الصدر وجود ثلاثة انواع من السنن التاريخية، هي السنن الشرطية، والسنن الحتمية، والاتجاهات الطبيعية او الموضوعية في حركة التاريخ. وما يهمنا هو النوع الثالث. ومن مصاديقه السير التكاملي للبشرية عبر التاريخ. وقد استنتج الصدر هذه الفكرة من الاية ٦ من سورة الانشقاق التي تقول: “يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ”. وقد استنتج الصدر من هذه الاية ان حركة البشرية عبر التاريخ هي “سير ارتقائي، وهو تصاعد وتكامل.” وقال: “ان كل سير وكل تقدم للانسان في مسيرته التاريخية الطويلة الامد فهو تقدم وسير نحو الله سبحانه وتعالى. وهذا يشمل حتى الجماعات التي تمسكت بالمثل المنخفضة والالهة المصطنعة واستطاعت ان تحقق لها سيرا ضمن خطوة على هذا الطريق الطويل. نعم! حتى هذه الجماعات التي يسميها القران بالمشركين تسير هذه الخطوة نحو الله. وهذا التقدم، بقدر فاعليته وبقدر زخمه، هو اقتراب نحو الله سبحانه وتعالى، ولكن مع حفظ الفارق بين تقدم مسؤول وبين تقدم غير مسؤول”.
ويدل الاستقراء التاريخي منذ الاف السنين ان الدولة الحضارية الحديثة اتجاه تاريخي موضوعي قابل للقياس.
الاصل الثامن: المركب الحضاري

في مقدمة الطبعة الثانية لكتاب “اقتصادنا” تعرض الصدر لاشكالية التخلف في مجتمعات العالم الاسلامي، وطرح مصطلح “المركَّب الحضاري” في سياق شرح فكرته عن منهجية معالجة التخلف وتحقيق النهوض الحضاري والتنمية الاقتصادية. وقال انه اذا اردنا ان نختار منهجا او اطارا عاما لبناء الامة واستئصال جذور التخلف …. يجب ان نفتش … عن مركب حضاري قادر على تحريك الامة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف”.
وقد بينتُ ان المركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. فاذا توفرت منظومة القيم العليا القادرة على تشغيل هذه العناصر تكاملت لدينا المعادلة الحضارية كما يلي:
الحضارة= المركب الحضاري+ منظومة القيم العليا

يتبع

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار