مقالات

كتب الأستاذ محمد الشبوط مقال بعنوان “الحائط”

محمد عبد الجبار الشبوط..

اسباب كثيرة قادت الى الانسداد السياسي الحالي. وهي حالة متوقعة منذ انزلقت النخبة السياسية الحاكمة في مهاوي المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية في بناء سلطة بدائية هشة على غرار “الدولة السلطانية” التي سادت وحكمت العالم الاسلامي منذ حوّل معاوية بن ابي سفيان الخلافة النبوية الى ملك وراثي عضوض.
تتحمل النخبة السياسية القسم الاكبر من هذه النتيجة المؤلمة، وتشاركها بدرجة اقل “الرعية” التي انساقت وراء هذه النخبة لدوافع بدائية غريبة عن فكرة الدولة الحضارية الحديثة. وهذا ليس جلدا للذات لان مخرجات العملية السياسية منذ عام ٢٠٠٣ هي حصيلة تشارك عدة قوى وإنْ بنسب مختلفة لحجوم المشاركة.
مَثَلُ الانسداد السياسي كمثل الحائط الصلب الذي يصطدم به الماشي. يترتب على هذا الاصطدام اثار تتوقف على قوة الاصدام التي قد تؤدي الى تحطيم رأس الماشي، لكن يبقى احتمال تحطم الحائط قليلا.
الحائط الذي وصلت اليه العملية السياسية صلب جدا، يمكن ان يحطم رؤوس اشخاص العملية السياسية دون ان يتحطم. و “الحسجة” واضحة في كلامي. النخبة السياسية الحالية هي التي اوصلت العملية السياسية الى نهاية الطريق المسدود، اي الحائط، وليس بمقدور هذه النخبة ان تفتح ثغرة بالجدار لانها لا تملك ادوات فتح الثغرة. والادوات المطلوبة هي المفاهيم والاليات والممارسات الحديثة لبناء الدولة، وهذا جهل وتقصير، اصاب ايضا شريحة مهمة من الناخبين، الامر الذي ادى الى ركود مياه الحياة السياسية. تجرى الانتخابات المبكرة من اجل تحريك هذه المياه الاسنة، لكن الانتخابات “المبكرة” التي اجريت في العاشر من شهر اكتوبر/ تشرين الاول الماضي لم تنجح في هذا، لانها اجريت في نفس البيئة السياسية والفكرية التي قادت الى الانسداد السياسي (باستثناء التغيير الجزئي في قانون الانتخابات الفردية الذي جاء مشوها). وهذا بحد ذاته اوضح دليل على الانسداد السياسي. ومما يعزز هذا الدليل ان بعض النواب الجدد لا يملكون من الثقافة السياسية ما يساعدهم على ان يكونوا جزءاً من الحل، فهم مازالوا جزءاً من المشكلة. ومما يزيد الطين بله ان بعض الرعية يقولون “شبعنا من التنظير” وهم يجهلون ان غياب النظرية السليمة هو جزء اساسي من حالة الانسداد السياسي.
ما اريد ان اوصله الى القاريء ان الانسداد السياسي هو نتيجة غياب البيئة السياسية الديمقراطية السليمة على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق. هذه هو حائط الجهل الذي اصطدمت به العملية السياسية. وهذا هو المأزق-الازمة الذي نعاني منه. مأزق في الثقافة وفي الممارسة، عنوانه العام عيوب التأسيس.
لن يكون المخرج بتشكيل حكومة بنفس الاليات السابقة ولا بتدوير الاسماء لأن هذا سيكون ترحيلا للازمة الى مناسبة اخرى، وهروبا من الحل الجذري الذي ننادي به. اما الشعارات التي يجري تتداولها في السوق السياسي فلا تنم على وعي معمق للمشكلة ولا تنم عن وعي معمق بالحل.
الحل الشامل الجذري طويل الامد ولا يتحقق بليلة وضحاها، لكن كلفته اقل من كلفة اعادة انتاج الازمة وتدوير الاسماء. ونقطة الشروع في هذا الحل تتمثل في تحرك النخبة الواعية المبدعة التي تملك الوعي السياسي العلمي والعميق بالمشكلة و حلها. وما لم تنوجد هذه النخبة لا يمكننا التبشير بالحل. بعد ذلك يتعين على هذه النخبة الواعية ان تتحرك بشكل منسق ومنظم من اجل رفع مستوى الوعي السياسي في المجتمع، الوعي الذي يتفرع منه التزام شعبي بقضية التغيير وصولا الى اللحظة التاريخية التي تشهد التحول اما عبر الانتخابات المباشرة او عبر الوسائل الدستورية والقانونية المتاحة الاخرى.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار