الثقافيةالمحلية

فهم حقيقي لمواطنة حقيقية

الكاتبة سرى العبيدي 🌹✍️
باتت موضوعة المواطنة “علكا” يلوكه كل من يظهر على شاشات التلفاز، يتبارى في الحديث عنه كثير من الذين يحاولون أن يجدوا لأنفسهم مساحة في ميدان السياسة، خصوصا مع زوبعة الحداثة والمدنية والعلمانية التي هبت على العراق خلال السنتين الماضيتين، دون أن نلمس لها مقاربة واقعية..
تستحضرني في هذا المقام جملة من الأسئلة، وأنا المنتمية الى وطن يمتد الى ثلثي التاريخ البشري، ولا أحتاج الى توصيف لحالتي كإنسانة عراقية الإننتماء..
لذلك هل ثمة من يختلف معي، على أن المواطنة حق مقدس لمواطنين اتفقوا على التعايش فيما بينهم في حيز جغرافي يناسبهم، وإن كان ذلك في معظم الأحوال دون اختيارهم؟..
وهل من شك من أن هذا الحق المقدس غير قابل للتأويل باتجاهات نقضه أو التشكيك به أو بجدواه؟..
أوَ ليس أنه تعبير عن وجود الفرد ضمن الجماعة الإنسانية؟..
هذه أسئلة ليست في امتحان درس التربية الوطنية لمدارس أيام زمان!
أنها أسئلة يفترض أن يسألها أي منا لنفسه، لكي يتوصل الى نتيجة مؤداها أن مفهوم المواطنة يتشكل في سياق حركة المجتمع وتحولاته وتاريخه؛وأن في صلب هذه الحركة تنسج العلاقات، وتتبادل المنافع، وتخلق الحاجات، وتبرز الحقوق، وتتجلى الواجبات والمسؤوليات، ومن مجموع هذه العناصر المتفاعلة ضمن تلك الحركة الدائبة يتولد موروث مشترك من المبادئ والقيم والسلوك و العادات؛ هذا الموروث هو الذي نسميه “المواطنة”.
يسهم هذا الموروث في تشكيل شخصية المواطن ويمنحها خصائص تميزها عن غيرها؛ وبهذا يصبح الموروث المشترك حماية وأمانا للوطن وللمواطن، فالمواطن يلوذ بالوطن عند الأزمات ولكنه أيضا يدافع عنه في مواجهة التحديات، لأن المواطن لا يستغني عن الوطن والوطن لا يستغني عن المواطن، فوجود أحدهما واستمراره المعنوي رهين بوجود الآخر واستمراره.
وعندما نتحدث عن مواطنة حقيقية، لا نتحدث عن روح وطنية شكلية، إذ أن الفرق كبير بالمعنى بين المواطنة والوطنية، فالمواطنة استحقاق غير قابل للنقض، فيما الوطنية تعبير عن المواطنة له مسالك عدة واجتهادات متنوعة…
“المواطنة” حقوق وواجبات، ومبادرة المواطن ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها، وهذه الحقوق والواجبات لا تمارس إلا في مجتمع عادل يحرص على المساواة وتكافؤ الفرص، وتحمّل أعباء التضحية من أجل ترسيخ هذه المبادئ وحمايتها ،وفتح آفاق تحسين ممارستها برؤية تتطلع إلى المستقبل، وبحماس لا تطغى فيه العاطفة على العقل والحكمة…
وفي ظل غياب الرؤية والفهم لمنظومة الحقوق والواجبات، تضحي مفردات الوطن والمواطنة في مهب الريح ، فسيصبح الوطن قابل للتجزؤ إلى كيانات مفتت، وستمسي المواطنة منازل ودرجات، وستصير الوطنية لعبة مصالح.
الوطن ليس خيمة راع إبل، يطويها متى أنتهى العشب حيث هو، ليرحل الى مكان آخر معشوشب..
وما اكثر المتفلسفين الذين يخرجون وهم لايعرفون لا وطن ولا سياسة
مجرد واجهة كارتونية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار