مقالات

عندما تتحول الذبابة الى فراشة !؟

بقلم ✍️عمر الناصر / كاتب وباحث سياسي

من يتخيل انه يوجد احتلال نافع واحتلال ضار فهو اما واهم واما مصاب بالحساسية وجفاف العينين المزمن الذي يجعل لديه صعوبة في تحديد اتجاه النظر ،لان التعريف الحقيقي والمنطقي يقول ان الاحتلال له اشكال ووجوه متعددة ومنه ما يكون احتلال فكري والاخر مايكون احتلال نفسي الخ ولكن مايهمنا اليوم الخوض به هو الاحتلال العسكري الذي يقع خلف كواليس نفس المظلة.

بلغ عدد القوات الأمريكية العاملة على الأرض في العراق منذ احتلال العراق ما بين ١٠٠ – ٣٠٠ ألف جندي امريكي، وتم سحب بعض الاعداد منهم إذا ما استثنينا فيها فترة عام ٢٠٠٧ التي فقدت على اثرها الولايات المتحدة ٤٤٨٧ عنصرا منذ الغزو الذي بات يُعرف بـ “عملية حرية العراق”، وبنفس الوقت لايمكن ان نغض الطرف عن جميع جرائم اميركا التي اقترفها بحق اغلب الشعوب على اعتبار ان التاريخ يعيد نفسه لكن بحلة جديدة ، ابتداءاً من قصف مدينة دريسدن الذي خلف ٢٥ ألف قتيل وبرلين الذي خلف ٨٠٠ ألف قتيل بألمانيا عندما اسقطت اكثر من ٧٢٢ قنبلة ثقيلة من سلاح الجو الملكي البريطاني ومروراً بالحرب الفلبينية وقصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي باليابان بقنبلتين نوويتين لإرغام دول المحور على الاستسلام وانتهاءاً ببقية الجرائم التي حدثت في العراق ومنها فضيحة سجن ابو غريب وبلاك ووتر في سيبتمبر عام ٢٠٠٧ والتي قتل فيها اكثر من ١٧ مدني واكثر من ٢٠ جريح واخرها حادثة المطار وانتهاكهم الصارخ للسيادة العراقية.

كل اتفاق يعقد بين اي دولة تمتلك من القوة والنفوذ والسيطرة واخرى ليس لديها مقومات حقيقية توازي نفس تلك الامكانيات العسكرية والتكنولوجية ولا حتى السيادة لغرض فرض شروط واملاءات غير متكافئة وفقاً لمبدأ توازن القوى استطيع تسميته بعقد او “معاهدة اذعان ” خصوصاً اذا ما كان الطرف الاقوى في المعاهدة لا يأبه لموضوع السيادة وهذا ما لمسناه في تعاملات الولايات المتحدة مع بعض الدول بسبب عدم وجود سياسة خارجية نوعية حقيقية وفشل كبير في انتاج مفاوضين لهم القدرة على انهاء المفاوضات قبل بدئها .

الجميع يعلم بأن الادارة الامريكية اليوم تسير بطرق متعرجة ولديها ازدواجية كبيرة في موضوع الانسحاب من العراق ، وانه من السذاجة والوهم من يتصور انهم سيتركوا البلاد وفقاً لما تتناقله وسائل الاعلام لانهم قد اعلنوها صراحة بأن مجيئهم الى هذا البلد لم يكن من اجل النزهة او لاصطياد سمك التونة وانما لهدف استراتيجي بعيد المدى وهذا ما اكده روبرت فورد السفير الامريكي في سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الاوسط في واشنطن بتاريخ ٦/١/٢٠٢٢، لان الجميع يعلم ان موضوع تقديم العون والدعم العسكري للعراق مقترن ومرتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بانهاء ملف الصراع مع بعض الدول الاقليمية الذي بدأ يتزايد بسبب طريق الحرير بصورة عامة والمحافظة على امن اسرائيل بصورة خاصة.

ان موضوع تحويل صفة الجنود والقوات القتالية الامريكية الى قوات مستشارين او مدربين تلك هي مزحة سمجة لكونها مهمة حساسة وسلاح ذو حدين ينبغي بالحكومتين العراقية والامريكية ان تكون لديهم شفافية اعلى في التعامل مع مثل هذا الملف ،على اعتبار ان الوجود الاميركي في العراق هو من اقوى الاسباب التي تدعوا الى تدخل بعض الدول الاقليمية بالشأن الداخلي العراقي استنادا وايماناً منها بمبدأ التحرك الاستباقي للدفاع عن امنهم القومي من خارج حدودهم الاقليمية الذي يؤدي بدوره لعدم احترام المواثيق والاتفاقيات المبرمة مع العراق ، ناهيك عن استناد تلك الدول الى الدستور العراقي الذي يكفل بأن لاتكون ارضنا وسماءنا منطلقا لشن اي عدوان على دول الجوار .

لقد بات من الضروري انهاء التواجد العسكري الامريكي واي تنظيم عسكري اخر ومنها ملف حزب العمال الكوردستاني PKK على غرار ما انهاء ملف منظمة مجاهدي خلق المعارضة عام ٢٠١٦ وترحيل اخر دفعة من معسكر ليبرتي الى جمهورية البانياً على اعتبار انها اولى الخطوات التي تؤدي الى تعزيز وتمكين السيادة العراقية ولان القدرات العسكرية العراقية قد اصبحت اليوم جاهزة ولها امكانات رصينة وعالية تستطيع التصدي لاي تنظيم ارهابي يهدد العراق مستقبلاً خصوصاً اذا ما عرفنا بأن خطر داعش هو ملف سياسي بإمتياز يتناسب طردياً مع حجم الخلافات السياسية بين الدول والاقطاب المتصارعة التي تستغلها بعض الدول الاقليمية لغرض زعزعة الامن والسلم المجتمعي.

واخيرا اقول لايمكن ان تتحول الذبابة الى فراشة ولايمكن ان تتحول الحيوانات المفترسة الى حيوانات داجنة، لان ذلك سيتسبب بخلل في تركيبة النظام الفسيولوجي والحياتي بأسره وستنقلب على اثرها الكثير من الموازين التي نسير عليها اليوم بل وستنقرض وقتها مخلوقات كنا نتمنى ان تختفي من على وجه المعمورة الا ان سبب وجودها هو من اجل بقاء الكوكب متوازن على الرغم من عدم انسجامنا معها كونها تسير عكس قانون الطبيعة الفطرية او الانسانية التي نحن عليه، كذلك الحال تجد التعاملات بين الدول عادة ماتكون متأثرة بسياسة الشد والجذب نسبة الى المصالح المشتركة من عدمها التي لايمكن الاستغناء عنها .

انتهى …

عمر الناصر / كاتب وباحث سياسي

خارج النص / كلما زادت الخلافات الدولية كلما اصبح العراق مسرحاً للتحديات الاقليمية ..!

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار