المحلية

كتب مجاهد منعثر منشد مقال بعنوان “رحل البشير”

بقلم / مجاهد منعثر منشد
بعيونٍ ملؤها الدموع انحنت رؤوسُ المسلمين لا يعلمون ماذا سيجري عليهم إن خلت هذه الدنيا من النَّبيِّ , أَيقبضُ عزرائيلُ روحَ محمَّد !
بعد أن نادي المنادي في الناس للحج مع الرسول تقاطرت ألوف المسلمين على المدينة , فخرج معه ما يقارب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أَصحاب موسى من مختلف الحواضر والبوادي والقبائل, سأله الناس عن السبب , أَجابهم إِنَّ نَفسِي قَد نُعِيَتْ إِلَيَّ.
حجَّ حجَّة الوداع , ثمَّ نزلَ غديرَ خُمٍّ , علَّمهم ما تبقَّى من الشرائع وأَبلغهم بوصيه ووزيره .
كان صائمًا بعد ثلاثة شهور في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر السنة العاشرة من الهجرة , ترتفع درجة حرارته ارتفاعًا خطيرًا, يعاني صداعًا عنيفًا في رأسه المقدس الشريف , أَخذنَ نسوتُهُ بسقيهِ الدَّواءَ ,أفاق من الإغماء وقالَ: لا يَبْقَى في البَيْتِ أحَدٌ إلَّا لُدَّ ( )وأَنَا أنْظُرُ إلَّا العَبَّاسَ، فإنَّه لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
أَمَرَ مَن في الدار بأنْ لايَلدُّوُهُ ولا يُجَرِّعُوهُ أَي دواءٍ مهما كان.
همسَ في أُذُنِ العباس: يا عَمَّ محمَّدٍ, تأخذ تراثَ محمَّدٍ وتَقضي دَيْنَهُ وتَنجز عِدَاتهُ؟
كررها عليه ثلاثَ مراتٍ ,فاعتذر.
أجابَهُ النَّبيُّ: أَما إنِّي سأعطيها مَنْ يأخذ بحقِّها. نادى الرسولُ فاطمةَ, كلَّمها: بأَبي وأُمِّي أَنتِ! أَرسلي إلى بَعلِكِ ,ادعيهِ لي.
أَخبرَهُ: يدعوكَ جَدِّي. انطلق إليه الحُسينُ مسرعًا.
جاء عليٌّ, همسَتْ فاطمةُ في أُذُنِ أَبيها : كأنَّكَ بعثتَهُ في حاجة!
نظر لعليٍّ قائلًا :يا أَخا محمَّدٍ, أَتنجزُ عِدَاةَ محمَّدٍ وتَقضِي دَينَهُ وتأخذ تُراثَهُ؟
ـ نعم بأَبي أَنتَ وأُمِّي.
خفق قلبها بعنف , تجمَّدت في مكانها لهول الصدمة, انهمرتْ دموعها , صرخت: واكرباه لكربك يا أَبتاهُ, قبَّلها الرسولُ ,همس في أُذنيها , أوصاها .
نزع الرسول خاتمَهُ من إصبعه ناولَهُ للوصِيِّ , قال : تَخَتَّمْ بهذا في حياتي, فوضعَهُ عليٌّ في إصبعه اليمنى , وسلَّمه إرثَهُ كاملًا في حياته .
فاضت نفسُهُ الطاهرة إلى بارئها …
أجفلت قلوب السبطين ورقرت دموعهم , فتية وصبية القيت على فجر عمرها الغض ظلالًا وليلًا وصقيعًا ينهش فؤادها الصغير, يرونَ من فاض عليهم أَنوارا ويلفهم بعليائه, يحملهم لمسجده يحضنهم بفراشه , صامتًا ساكنًا , ومن حولهم عويل باكيات ,صراخ مفجوعينَ , بضعته ولهى مصدعة الكيان , الفراق أعياها , والحزن أضناها , وبعلُها ينظرُ إليها ويزدادُ بكاؤه , تنبأ من نبوَّة أخيه هذا شهر مأساة الموت مرتين!
ربما لأَوَّل مرة يشاهدون أَباهم يضعَ الرَّسولَ في حفرتِهِ ويرثيهِ :
المَوتُ لا وَالِدًا يُبقي وَلا وَلَدًا*** هَذا السَّبيلُ إِلى أَنْ لا تَرَى أَحَدا
كانَ النَّبِيُّ وَلَم يَخلُد لِأُمَّتِهِ*** لَو خَلَّدَ اللَّهُ خَلقًا قَبلَهُ خَلـَــــدا
لِلمَوتِ فينا سِهامٌ غَيرُ خاطِئَةٍ * مَن فاتَهُ اليَومَ سَهمٌ لَم يَفُتهُ غَدا
يندهشونَ , سيلُ الدَّمع يتدفق كنهرٍ جارٍ من عينها , همساتُ صوتِ جدِّهم ينثرها على مسامعهم : يا فاطمة إنَّ الله عزّ وجل يغضبُ لغضَبكِ ويرضى لرضاكِ.
وما هي إلَّا أَيام جلسَ ليثُ الليوثِ وأَسدُ الله الغالب في بيته يجمع القرآن ولا يلتفت لشيء سواه .
غمد سيفَهُ لمصلحة الإسلام لا يحرك غير لسانه يلهج محوقلًا مستغفرًا , عاصروا غمرة أَحداثٍ مؤلمةٍ , حقٌّ يُسلَبُ , هديةٌ تُغتَصبُ , صوتُ بنتِ النَّبيِّ يعلو : خلوا عن ابنِ عَمِّي , أو لأَكشفَن للدعاء راسي !
خمسة وسبعون يومًا أَخفت الدَّمَ عن خِمَارها على من قاسمَها حزنَها, ويخفف لوعتها, خوفًا عليه من اشهار سيفه , لحقت بأَبيها.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار