مقالات

الخطأ غير المعقول والاعتذار غير المقبول

محمد عبد الجبار الشبوط.
اعتذرت ايران لعدم رفعها العلم العراقي اثناء زيارة السيد نيجيرفان البارزاني رئيس اقليم كردستان اليها، ورفعت بدلا منه علم الاقليم جنبا الى جنب علم الجمهورية الايرانية الاسلامية ذات الاقلية الكردية والاقلية العربية الكبيرتين.
بالنسبة لي، كمراقب سياسي، لا اعتبر الخطأ معقولا، ولا الاعتذار مقبولا. فدولة مثل ايران تخوض بنجاح مباحثات صعبة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي وغيرها من دول العالم في ملفات بالغة التعقيد لا يمكن ان تخطأ في مسألة رفع علم دولة بينها الف كيلومتر من الحدود المشتركة وعلاقات متشابكة تعود حتى الى ما قبل نشوء الدولتين الحاليتين في بلديهما. فالسيد نيجيرفان البارزاني، حاله حال اي مسؤول عراقي، يمارس مسؤولياته السياسية والادارية تحت راية العلم العراقي لدولة ينص دستورها على انها جمهورية “اتحادية”. وليس من المعقول ان مسؤولي وزارة الخارجية الايرانية نسوا هذه المعلومة التي ترقى الى مستوى البديهيات.
وقسم من اللوم والعتب يجب ان يوجه الى الاخ نيجيرفان البارزاني. فلا اشك في انه شعر بالفرح وهو يرى علم اقليمه مرفوعا الى جانب العلم الايراني، لكن كان عليه ان يشعر بالغضب لعدم رفع علم بلاده التي ينتمي اليها ودولته التي يحمل جنسيتها. كان عليه ان ينبه مضيفيه الايرانيين الى هذا الخطأ والاسراع بتصحيحه فورا.
لا يعني هذا انني اتخذ موقفا سلبيا من اقليم كردستان خاصة والمسالة الكردية عامةً. فالدولة الحضارية الحديثة التي ادعو اليها يمكن ان تكون دولة بسيطة او دولة اتحادية. وقد اختار العراقيون شكل الدولة الاتحادية، ومارس الاكراد حقهم بتقرير مصيرهم من خلال القبول بالبقاء ضمن الدولة العراقية الاتحادية. وقضي الامر على هذا النحو. وعليه فان الدولة الحضارية الحديثة في العراق ستكون دولة اتحادية مؤلفة من اقاليم ومحافظات، وكردستان اقليم في الدولة الحضارية الحديثة.
انما يجب ان تقام العلاقات والصلاحيات والاختصاصات الموزعة بين الدولة الاتحادية باطارها العام والاقاليم باطرها الخاصة على اسس صحيحة وسليمة ومتوازنة، اي حضارية، بما يحفظ اعتبار الدولة الاتحادية وهيبتها وقيمتها، ويحفظ دور الاقاليم والمحافظات في ادارة شؤونها الداخلية ضمن الاطار الاتحادي. وذلك في اطار الرؤية الحضارية للهوية الوطنية الجامعة والهويات الفرعية الخاصة. وقد كتبت مقالا خاصا عن هذه المسألة فيما سبق وقلت فيه: “لا تعارض بين الهوية الطبيعية الانسانية والهويات الفرعية الاجتماعية ما دامت الثانية لا تلغي الاولى، وما دامت الاولى لا تقمع الثانية. للعام مجاله، وللخاص مجاله، وتحقيق هذا التوازن احد مؤشرات نجاح المجتمع في بناء دولته الحضارية الحديثة. من شان الهوية الانسانية الطبيعية ان تثري الهويات الفرعية، ومن شان الهويات الفرعية ان ترسخ الهوية الانسانية الطبيعية للمجتمع.” ونستطيع ان نجد نماذج قابلة للاحتذاء للعلاقات بين الدولة الاتحادية واقاليمها في الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وسويسرا والهند والمقارنة بينها وبين ما هو موجود في العراق فعلا. وسوف تكشف المقارنة عن وجود خلل كبير في الصيغة الفيدرالية المطبقة في العراق، الامر الذي يجعلها اقرب الى الصيغة الكونفيدرالية. وقد اوضح علماء القانون الدستوري، ومنهم الدكتور منذر الشاوي في كتابه الكبير “فلسفة الدولة”، وجوه الخلل التي اشرت اليها، وهي جزء من الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع العراقي الذي هو سبب كل ما يشهده العراق من مشكلات دستورية وسياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية الخ. وفي اطار دعوتنا الى الدولة الحضارية الحديثة في العراق لابد من اعادة تقعيد وتجليس الصفة الاتحادية على اسس حضارية وعلمية حديثة كجزء من اصلاح هذا الخلل الحاد في المركب الحضاري.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار