مقالات

الحياة الطيبة

محمد عبد الجبار الشبوط:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ. (الانفال ٢٤)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.” (البقرة 172) “كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ”.(البقرة ٥٧)
“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”. (النحل 97)
……..
في مقالة سابقة، حللت الاية الاولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) بالارتباط مع اية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة 208)، وقلت ان الاية الاولى تدعو المؤمنين الى الدخول في/ اقامة السلم المجتمعي. وكانت هذه هي احدى مصاديق او مضامين الدعوة الالهية/الرسولية المرتبطة باحياء المجتمع الانساني.
في هذا المقال، استخدم نفس الاية بالارتباط مع اية ثانية هي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة 172) واية: (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ.(البقرة ٥٧). وموضوع الدعوة هنا هو “الاكل من طيبات ما رزقناكم”. وهي فكرة سوف نجدها في اية اخرى تربط بين الحياة الطيبة/ الاكل من الطيبات وبين العمل الذي يقوم به الرجال والنساء على حد سواء. العمل المقترن بهذه الرؤية او المقولة.
اقامة الحياة الطيبة تستلزم العمل في الطبيعة/ الارض واستخراج كنوزها وتطويعها لمنفعة الانسان، ومن ثم العدالة في توزيع الاستفادة منها بين الناس. الحياة الطيبة تستلزم اقامة علاقة ذات مستويين هما:
المستوى الاولى علاقة الانسان بالطبيعة على اساس الاستثمار.
والمستوى الثاني علاقة الانسان باخيه الانسان على اساس العدالة في التوزيع.
كما ان تحقيق الحياة الطيبة يستلزم توظيف الانسان والزمن والطبيعة والعلم والعمل بشكل منتج للحياة الطيبة، اي وفرة في الانتاج وعدالة في التوزيع. وهذه هي العناصر الخمسة للمركب الحضاري التي لا تنتج الحياة الطيبة الا اذا حصل التفاعل فيما بينها في اطار منظومة للقيم العليا تضمن وفرة الانتاج وعدالة التوزيع. والقيم العليا عبارة عن مؤشرات للسلوك تضبط تصرف كل واحد من عناصر المركب الحضاري الخمسة. وتاريخ الانسانية كله عبارة عن تجارب ناجحة احيانا وفاشلة احيانا اخرى لتحقيق التفاعل بين العناصر الخمسة، المنتج للحياة الطيبة. وبعد اكثر من خمسة الاف سنة، توصلت البشرية الى ان صيغة الدولة الحضارية الحديثة هي احدى الصيغ المجرّبة والضامنة لتحقيق الحياة الطيبة. وبالتالي فان هذه الصيغة متضمنة في الدعوة الالهية-الرسولية الواردة في المفردات التالية: “الاستجابة لله وللرسول”، و”كلوا من طيبات ما رزقناكم”، و “العمل الصالح المقترن بهذه الاطروحة”، و اخيرا “الحياة الطيبة” بشقيها: وفرة الانتاج وعدالة التوزيع.
اذا كانت “الدولة” ضرورة للحياة الانسانية، فان الدولة الحضارية الحديثة ضرورة للحياة الانسانية الطيبة، لانها توفر افضل اطار دستوري وقانوني وسياسي لاشتغال عناصر المركب الحضاري الخمسة وتفاعلها بشكل يضمن وفرة الانتاج وعدالة التوزيع، اي اقلمة الحياة الطيبة/ السعيدة للانسان. انها توفر افضل بيئة لتصعيد الطاقة الانتاجية للانسان، العنصر الاول في المركب الحضاري، في تفاعله مع الطبيعة، العنصر الثاني في المركب الحضاري، على اساس العنصرين الاخرين في المركب الحضاري، اي العلم والعمل، في سياق زمني معين، اي العنصر الخامس في المركب الحضاري. واخيرا فان السعي المشروع للسعادة من قبل الانسان يجب ان يتمثل في السعي المدروس الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار