الثقافية

أشهر مدرسة للإقراء مسجد الكوفة

بقلم / مجاهد منعثر منشد..
تميزت مدينة الكوفة – موطن بعض الصحابة والتابعين واللغويين والنحاة ومستقر الفقهاء والمفسرين – بأنها أشهر وأول مدرسة لإقراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي .
لقد صرح بالأفضلية في القراءة ثاني أكبر مفسري المسجد عبد الله بن مسعود , فقال : ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب عليه السلام للقرآن.
وهذا ما يدعو للتأمل ويشير إلى أن مدرسة التفسير غير مدرسة الاقراء , نعم كلاهما بنفس المكان ,إلا أن كل واحدة لها أساتذتها ومبدعوها . وحتى مدرسة التفسير نجد أول من يتصدر قائمة المفسرين يذكره ابن مسعود قائلا : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها إلا وله ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عليه السلام علم الظاهر والباطن.
وبهذا نفهم بأن مدرسة التفسير أقدم , فعبد الله بن مسعود وصل الكوفة في عهد وأمر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب , وكانت قراءته مسيطرة على الكوفة , لكنه يقرأ بحرف هذيل الذي تعتبر رجزا من رجز الأعراب وليس بحرف قريش إلى أن وصل أبوعبد الرحمن السلمي وعلمهم على قراءة علي بن أبي طالب .
أما مدرسة الإقراء , فمن أعطاها الأولوية بعد التفسير هو يعسوب الدين , إذ في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان , أرسل التابعي أبوعبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن رُبيعة السلمي (ت80هـ) إلى مسجد الكوفة . والسلمي يقول : قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب عليه السلام. فكان أبوعبد الرحمن أول من جلس للإقراء في مسجد الكوفة , فهو شيخ القراء. قرأ أربعين سنة.
وأحد القراء السبعة التابعي أبو بكر عاصم بن أبي النجود ألأسدي قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي , فعاصم يعتبر ثقة القراء . وقراءته من أفصح القراءات، لأنه أتى بالأصل، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره، ويحقق من الهمز ما لينه غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره. وأيضا من القراء السبعة في المسجد الجامع : التابعي حمزة بن حبيب الزيات ويكنى أبا عمارة , قرأ على جعفر الصادق على أبيه محمد الباقر على أبيه زين العابدين على أبيه الحسين على أبيه علي بن أبي طالب ,كان قارئا ومعلما للقراءات القرآنية. وله كتاب قراءة حمزة . متورعا متحرزا عن أخذ الأجرة على القرآن.
و أيضا علي بن حمزة ألكسائي (ت 189هـ ), قرأ الكسائي القرآن على حمزة .
والتابعي أبان بن تغلب ابن رباح البكري الجُريري، أبو سعيد الكوفي (ت141هـ) لا يعتبر من القراء السبعة ,إنما كان مقدما في كل فن من العلم ومنها القرآن , له كتاب القراءات , و قراءة مفردة مشهورة عند القراء , وأول من دون علم القرآن أبان. أن وجود الصحابة والتابعين وخواص الإمام علي (ع) من القراء , لاسيما قبل خلافته وبعدها كان عاملا رئيسا لشهرة مدرسة الكوفة , ثم أعقبها حضور الإمام جعفرالصادق (ع) في عصر العهد العباسي ولمدة سنتين كان حافزا آخرا .
ولعل أحد العناصر الفرعية لشهرة مدرسة الكوفة عن غيرها ما قام فيه بعض الولاة من ترغيب وترهيب في المدارس الأخرى كالبصرة مثلاً , فأنشأ الحجاج هناك لجنة خاصة من القراء، وندب رجلينَ هما: نصر بن عاصم ويحيى بن يعمروهما تلميذا أبي الأسْود الدؤلي (وكان هذا يقرأ بقراءة الإمام علي) بلغة قريش , فكان الحجاج لا يرى صحة قراءة ابن مسعود وأمرهم بتقطيع كل مصحف يجدوه مخالفا لمصحف عثمان الذي لم يكن منقوطاً ولامُشكّلاً ، على أن يعطوا صاحبه ستين درهما تعويضًا, فلم يقبل قراءة ابن مسعود , لكنه غفل عن أن القرآن قد نزل على سبعة ألسن، فمن هنا كان نيله من ابن مسعود وقراءته وكان يعاقب عليها , مما اضطر بعض أصحاب عبد الله إلى إخفاء مصاحفهم ودفنها زمن الحجاج كما فعل الحارث بن سويد التيمي , فيذكر عاصم بن بهدلة أنه سمع الحجاج يقول‏:‏ «لا أجد أحدًا يقرأ علي قراءة ابن أم عبد – يعني ابن مسعود- إلا ضربت عنقه».
وهذا يدل على أن مدرسة قراء الكوفة لم تتعرض لبطش سياسي ليس ذلك فحسب , إنما المؤسسات العلمية في الجامع ومعلموها محترمون في كل زمان, لاسيما مدرسة القراء, وخير شاهد ودليل بحثنا في المصادر التاريخية عن الأحداث التي حصلت للقراء في الكوفة, فلم نجد أحدهم تم اعتقاله أواغتياله فجميعهم وفاه الآجل المحتوم وتوفي هناك بشكل طبيعي هذا ما يدل على أن المدرسة المذكورة أساسها متين أشرف عليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واستند للصحابة والتابعين الذين لايتقاضون الأجورعلى قراءة وتعليم القران الكريم , مما أدى إلى شهرة هذه المدرسة العريقة التي مازال أغلب المسلمون يقرأون على قراءتهم إلى وقتنا المعاصر .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار