الثقافية

مسرح غرفة الذات

بقلم الدكتور جبار صبري:-
الفصل الرابع/ الزمن
• الزمن
الذات الجريحة بمسرح غرفة الذات جريحة بالزمن. ذلك الزمن الذي ادركته الذات في محيط خارجي لها وادركته في آن واحد في محيط داخلي فيها وادركته مرة أخرى بوصفه لا فيها ولا عليها بل جامدا يركن الى زاوية نظر في الذات ليست منها بشيء ولكن تناقش افعالها بكل شيء..
في عالمنا الطبيعي يلتهم الزمن كوظيفة له كل موجودات ذلك العالم. يلتهمها بشكل قهري دون استثناء منه لموجود ما.. لكن في عالم مسرح غرفة الذات سوف يتدبر الزمن وظيفة جديدة له. يتدبر فضح ذواتنا وتعريتها من الداخل. يتدبر بخديعة منه كشف دواخلنا المريضة وجعلها عرضة للصراع والسخرية مما ارتكبته ذواتنا من سلوكيات انحرفت بها عن السوية والتماسك والصمود..
ان الزمن يخدعنا هنا. يجيد اللعب علينا طالما نحن وقعنا في فخ انشطار ذواتنا وانفصامها. طالما نحن انجبنا الاخرين وصاروا لنا من بعد انجاب حيوات مفترسة تأكل بنا. تلتهم وحدتنا وتماسكنا. الزمن بذلك يتحول الى معادل موضوعي بصفة آخر مولود فينا. طالما نحن فرضنا الطريق له بالكثير من التداعي النفسي فينا. يصير الزمن ذلك الآخر الكامن فينا والمناهض لنا والذي لا يريد التهامنا والخلاص منا بقدر ما يريد فضحنا وخلخلة اتزاننا.
انظر:
الزمن = الاخر ( أنا الاخر ).
في مسرح غرفة نتبين حركة الزمن على نحو:
١- زمن طبيعي: توافرت فيه الذات ضمن وجودها واحداثها..
٢- زمن نفسي: توافر فيه انفصام الذات.
٣-زمن طبيعي – نفسي: لازم الذات بعد انفصامها وتعددها
٤- زمن درامي يفترض على نفسه ايقاف الزمن كوسيلة اسلوبية لكشف الذات وتعريتها..
٥- زمن ما بعد الزمن: وهو نتيجة مستقبل زمن الذات في اذهان المشاهدين. او نتيجة زمن الذات من بعد اتمام فحصها واختبارها وتعريتها..

• حركة الزمن في توقفه
كان الزمن سائلا: مدة عامة تتضمن كل مدة خاصة. ان الدقيقة والساعة والسنة جزء من بحيرة الزمن الكبيرة وغير المتناهية، كما قطرة الماء جزء من الماء في البحيرة الكبيرة. كان الزمن تعاقبيا في وجوده: كما هو موجود بشكل موضوعي خارج الذات هو موجود بشكل ذاتي داخل الذات. مثلما نجده في محيط الشيء نجده في الشيء ذاته، في عمق الشيء وجوانياته.
كان كذلك الزمن حتى ولد مسرح غرفة الذات. ان تلك الولادة اعادت تشكيل مفهوم الزمن من جديد. تشكيله من توقف سيلانه. من توقف تعاقباته..
انظر:
– الزمن يجري طبيعيا ثم فجأة توقف عن الجري. اقتطع وصله بين الان ومابعد الان وما قبلها ثم اكتفى بوجود آن اشبه بالصورة الفوتوغرافية ولكنها صورة لذات متحركة.
– ليس انتهاء حيوات ذات من قبل توقف الزمن فيها بل تجميد لحظة بين حياتين لذات واحدة ارتبطت بهما الذات وهي الان قابعة في تلك اللحظة المنفصلة عن ماضي الذات ومستقبلها.
– الزمن يجري ساكنا في عمق الذات من غير معادل موضوعي له خارج الذات.
– نلحظ من الزمن حركة داخلية وحسب اي ليس تعاقب خارجي. انه في منظور داخلي للذات لا يمكن ظهوره كمحيط خارجي.
– ما نلحظه للزمن كمحيط خارجي للذات هو يواعد من الافتراض الدرامي. اي بدواعي فنية اقتضى تصوره ولم يقتض وجوده حقيقة.
ما يهمنا ان الزمن قد توقف: ان ذواتنا انكفأت في مسرح غرفة الذات على تجميد زمنها. انكفأت وهي تريد الكشف قبل اعادة جريان الزمن عن نفسها وما حدث لها ومتغيراتها وصولا الى رفضها او قبولها. لكن من وراء ذلك التوقف سوف نشهد حركة جديدة. حركة مفترضة توهمنا بوجودها رغم انها افتراض حركة وهي وليدة لضرورة فنية.
يمكننا تبيان بنية الذات والزمن على نحو:
* كانت الذات ضمن سيلان الزمن وخاضعة لمداراته في الحركة والوجود.
* اللحظة التي تؤدي الى انفصام وانشطار الذات هي ذاتها اللحظة التي تعمل على ايقاف مبدأ سيلان الزمن.
* ان اقتطاف واقعة، موقف، حدث، صورة.. داخل الذات سوف يمنح الزمن حركة جديدة ولكن تلك الحركة موصوفة بالحركة تحت الشطب والانحاء طالما توقف سيلان الزمن وتوقف تعاقبه..
* تبدأ الذات بالارتباط الجيد بالزمن على اساس داخلي – داخلي حصرا من غير ايما ارتباط يدل على معادلته السابقة: داخلي – خارجي او خارجي – داخلي بالتناوب والتفاوت..
هكذا نؤرخ لبدء نظام حركي جديد للزمن لا على اساس نظامه السابق بل على اساس نظامه الحالي الذي اقتصر في حراكه على:
– فعل تجميده عموما كمنطلق لفعل حراكه خصوصا.
– يتحرك داخل الذات حصرا لا على صورة نظامه الطبيعي في التحرك بل على صورة نظامه الافتراضي في التحرك. بشكله الفني الذي تفترضه الضرورة الدرامية لا اكثر.

• البدء الزمني الجديد
ان اللحظة التي تبدأ فيها ذاتي بالانتهاء بوصفها ذات واحدة هي ذاتها اللحظة التي تبدأ بها الذات بوصفها متعددة. وبالنتيجة سيكون انتها وحدة الذات بداية لاعلان تفككها. وبالمقابل سيكون انتهاء الزمن وموته بدء حركته المفترضة في الذات وغير الحقيقية. انها ولادة لبدء زمني جديد سوف يقترن بالذات المتعددة والجديدة..
عندما تلد ذاتي سلسلة الاخرين نتيجة انفصام ما سوف تغادر كل زمن طبيعي. سوف يبدأ مشوار زمنها من مشوار الاخرين الذين ولدوا فيها وانشقوا فهما ورغبة عنها.. هنا نتبين فعل البدء كما يلي:
– رفع خاصية الزمن التقليدية..
– ولادة الاخرين في الذات تعد تصريح مباشر وعيني بتغيير خاصية الزمن.
– التقاط متغير الذات المتعدد بوصفه صورة فوتوغرافية أسهم كثيرا في تحديد ثبات الزمن على اعتبار ان ذلك الزمن قد تجمد في ثبات صورة الذات الفوتوغرافية.
– ان الساكن من الزمن في تلك الصورة يعد متحركا في الحضور الدرامي لها داخل مسرح غرفة الذات وعرض اداء تلك الذات بعد انفصامها..
هذا البدء الزمني الجيد سوف يكشر لنا عن انيابه من حيث:
– متفرج وفاعل في آن واحد.
– جامد وساكن لكنه عن خبث من جموده يجعلنا نتكاشف وتتعرى فيه نفوسنا.
– افتراضي في وجوده ولكنه ملغوم بتشريح الذات والتهام كل ما يعزز تماسكها.
– عندما ينتهي فعل حوار واختبار ومكاشفة وتعرية الذات يعود الى خاصيته الطبيعية الاولى. اي ان انتهاء سكونه لا يدفعنا الى موته بل يدفعنا الى العودة الى حياته الاولى من جديد.
هنا يكون بدء مفترض الزمن على حساب بدء عذاب الانا وانهيارها النفسي والوجودي والاعتباري.. انه بدء مشروط بنهاية ذات ورميها على قارعة تفكك وتناقض وتضاد يصل بها الى الحد الذي تكره وتقتل الكثير من اجزائها.. هو الزمن الساكن الذي يتبعه كل خراب الذات من بعد..

• زمن لا زمن ( صفر زماني )
دعنا نتبين خارطة الزمن قبل وبعد انفصام وتفكك الذات وعلى وفق المرتسم الأتي:
* زمن طبيعي قبلي: قبل تفكك الذات.
* زمن غير طبيعي وساكن في زمن صورة الذات المفككة
* زمن افتراضي – درامي.
* زمن طبيعي بعدي: بعد محاكمة الذات وصدور الحكم والقصاص.
دعنا نتبين الزمن بوصفه عددا في الحياة. مثلا عدديا ننظر اليه على نحو:
+\ – = الماضي
0 = الآن / الحاضر
+\ – = المستقبل
نخلص من ذلك ان جريان الزمن:
– يحمل الايجاب والسلب في آن واحد. انه يحمل الحياة والموت. الخير والشر.. انه امتداد عددي للوجود سواء كان ذلك الامتداد بدالة سلب الاعداد او موجبها..
– يشكل الآن/ الحاضر لحظة مجردة من سلب الاعداد او ايجاب بسبب عدم تخليص الموقف بعد منها.
– كل ايجاب يؤدي بالضرورة الى توافق وتماسك الذات وكل سلب يكون سببا لانفصامها وتفككها.
في مسرح غرفة الذات تعيش الذات المفككة في زمن خارج الزمن. تعيش بالشكل الظاهر دراميا وفي عالم التعرية والمكاشفة اللحظة الآنية التي لم يترتب بعد في ضوءها اي موقف عابر نحو السلب او عابر نحو الايجاب.. تلك اللحظة الساكنة والتي بخديعة زمن ما يتم تسكينها كما يتم تسكين الزمن في صورة فوتوغرافية.
لكن الابعد من ذلك ان الزمن عموما هنا سيكون صفريا بامتياز.. انه:
– لا طبيعي
– لا افتراضي
انه بين هذا وذاك وليس من هذا وذاك. انه الزمن الصفر الذي تكون فيه الذات والعرض المسرحي في مسرح غرفة الذات في حالة وجود صفري. كل شيء ساكن موضوعيا ولكن كل شيء متحرك ذاتيا دون ان يعي الخارج وجود ذلك الحراك الا بقدر الافتراض الفني الدرامي..
يبدو طبيعيا في التصور العام ولكنه ليس له كل خواص ذلك التصور الطبيعي للزمن ويبدو افتراضيا في التصور الخاص والذي يتناضح عن وجوده الفني ولكن تلك الحال الزمنية لا قدرة لها باثبات ذلك. هي تتارجح بين الزمنين من جهة، وتنفصل وتتصل بهما من جهة ثانية، وتبتعد على قدر المكاشفة والتعرية او تقترب من جهة ثالثة.
اذن، تمر ذواتنا في صفر زماني. في لحظة لا يميل بها لا الى يمينه باتجاه الماضي سواء كان ذلك الميلان سلبا او ايجابا، ولا يميل بها الى يساره، سلبا او ايجابا. وفي هذا القرار الزماني يكمن وجود الذات بوقت مستقطع ولكن استقطاعه لا يدخل ضمن المدة الكلية للزمن ولا يؤشر على سلب او ايجابية عامة للذوات بقدر ما يؤشر ثبات صورة الذات وهي في عالم مستثنى من سيلان الزمن وهي ليست منه..

• المستقبل الزمني للذات
من المؤكد وجود مراحل زمانية يمر بها مسرح غرفة الذوات عموما ومراحل زمانية تمر بها الذوات قبل لعبة انفصامها واثناء تلك اللعبة وبعدها.
ويمكن تأشير تلك المراحل على نحو:
مرحلة١: مرحلة العرض وهي المرحلة التي يكون فيها الزمن صفرا ليس له حضور ومدة وتراتب او تصاعد او انحدار او توافق وغيرها بقدر ما يكون مشروطا بمصهر مكاشفة الذوات في مختبرها المستقطع كصورة فوتوغرافية.حصرا.
مرحلة٢: مرحلة ما قبل العرض. مرحلة الماضي وتذكر الحدث المفصلي في التاريخ الذي بسببه تحولت الذات وانقلبت وتغيرات سلبا او ايجابا، وهي مرحلة تتصاعد فيها ابخرة التحريض وابخرة المواجهة مثلما تكون سببا لتفكك الذات.
مرحلة٣: مرحلة انتهاء المواجهة وانتهاء فعل المحاكمة والاقتراب من تحديد الحكم ثم تنفيذ القصاص ثم تحصيل النتيجة: نتيجة المكاشفة والحوار والبوح والاختبار..
في المستقبل الزمني للذات سنتعرف على جزاء الذات مما اقترفته في الماضي. سوف نشهد حركة بداية عقوبة الذات والتي وردت من فعل نهاية اختبارها ومكافاتها. نشهد الموت الجديد لها من بعد استدعائها كجزء وشاهد من فعل مضى وتم تعريتها على نحو تحصيل نتائج تؤدي بها الى مستقبلها القادم: مستقبل ولادتها من جديد بعد موتها ومحاكمتها وبعد وقوع القصاص فيها..
يولد اذن، مستقبل الذات من بعد وقوع القصاص فيها ولكنها ولادة تحمل ابعادا وجودية واعتبارية وزمنية جديدة:
– تحمل مبدأ ان الذات رهينة افعالها. وان زمن ماضيها لا تنتهي مدته طالما انبثقت المحكمة بسببه وطالما وقع القصاص بسببه.
– تحمل مبدأ ان طريق المحاسبة هي طريق مستقطعة الوجود ولكنها في حراك وديمومة في الاعتبار والدلالة.
– تحمل ان لا موت لما تمر به الذات انما تطمره تحت عباءة الزمن وتكشفه ايضا تحت تلك العباءة.

• عقارب الزمن، ليلة الميلاد
خط وجود الذات يمر بثلاث طرق زمانية:
طريق ١: وجود الذات حينما لم يمسها انفكاك ما. ويكون الزمن موصولا وممتدا وطبيعيا
طريق ٢ : وجود الذات وهي معروضة في مسرح غرفة الذات ويكون الزمن فيها مستقطعا لا امتداد له ولا طبيعة بل مجرد افتراض زمني لحاجة وضرورة فنية لا اكثر.
طريق ٣ : وجود الذات من بعد انتهاء المدة المستقطعة وتحصيل نتائج اختبارها وكشفها..
هكذا نفهم ان ميلاد صحوة الذات هو ميلاد حضور الزمن المستقطع والذي هو خارج عن الزمنية عموما وداخل في تجليات العرض: عرض اختبار الذات خصوصا. هكذا نفهم ان لحظة وقوع مرض الذات وتداعيات مكبوتات ذلك المرض سيكون المجال الذي تتوقف فيه عقارب الساعة ويكون موت الزمن والذات في الحال الطبيعية هو حياة الزمن والذات في الحال غير الطبيعية: حال انفكاك ما طمرته الذات. حال الصحوة واليقظة التي تترجى من خلالها الذات اعادة فحص وكشف وتعرية الذات.
اذن، نفهم من ذلك:
– ان صحوتي هي بدء مرضي وهي التي سوف توقف سيلان الزمن وتستقطع منه فرصة محاسبة ومحاكمة وكشف ذاتي.
– بدلا من ان يشتد الزمن بي بعد مرضي تخلى عني واجبر على ايقاف عقارب ساعته بانتظار انتهاء صحوتي ومكاشفاتي..
– ان نهار حياتي هو نهار ونهر زمني المتحرك والفائض في جريانه ولكن جفاف ذلك النهر سيكون ليل ميلادي الجديد: ميلاد صحوتي وان كانت تلك الصحوة ستجر ذاتي تحت عربة ليل جامد وساكن في عقارب ساعاته.

• تداخل زمني

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار