مقالات

”ج 2 ” سلسلة.. أحداث واقعية

كتب : طلال العامري
بلا مزاد.. مدينة للبيع..
أنينٌ بصرخات لا يسمعه أحد..!
جردونا من السلاح وقالوا للغازين خذوها بلا ثمن أو مقاومة..!
من زاخو إلى الموصل بخمسين دقيقة ومن مدخل حييّ للبيت 14 ساعة..!
قبل احتلالها الموصل نعتونا بـ(الدواعش)..!
أسقطوها قبل أن تسقط وخلايا “الرايات السود” يتجولون بالأيمن جهراً..!
حين هرب ذلك المقاول المسكين وتبعه غيره كثيرون اختاروا العيش إما في ألـ(جارة) تركيا أو شمال الوطن في محافظات إقليم كردستان العراق للتخلص مما كان يترصد بهم..!

بقيت الموصل تئنّ بل تصرخ (وجعاً)، تمّ تجاهله عن عمدٍ مصحوبٍ بسابق اصرار وترصّد، حيث شجّع وضعها الأمني غير المستقر نتيجة عوامل موجودة أو (مستحدثة.. مُصنّعة) على هروب كل المستثمرين على قلّتهم، إضافة إلى تجميد عديد المشاريع أو نقلها ” نكاية ” واستثمارها (إلى وفي) المحافظات المجاورة ممن كانت تتمتع بالأمان الواضح، رغم المصاعب الاقتصادية االواضحة عليها ومعاناتها على صعيد الفرد وصولاً لمجتمعاتها..!

من يقول أن ما حدث للموصل و(نينوى) لم يكن السبب الرئيسي لاحقاً في انعاش اقتصاد محافظات ” الإقليم ” يبقى واهماً أو يريد من الناس أن يصدّقوه حتى وهم يعلمون بكذبه..!

لم يبق شيء للاستناد عليه في مدينة تجاوز تعدادها الثلاثة ملايين نسمة ويزيد ليرتبط به الإنسان الموصلي المهموم المنبوذ أو هكذا أراد ” المصنّعون ” للـ(فرقة) ايصاله له ومجبور أن يتحمّل وإلا……!

مورست أشياء لم يسمع بها أحد أو يحتويها قاموس جمع كل مفردات الايذاء بأنواعه المختلفة..
إهانات واستخفاف بالمشاعر وتهديدات وانتهاك حقوق للإنسان (شخصية وعامة) وشعور بالاذلال المتعمد أخذ يتزايد ويستفحل ويكبر حتى اقترب من حجم كرة الثلج التي تتدحرج من قمم الجبال..!
قطع شبه تامٍ لجميع الشوارع والأفرع والجسور مع تقسيم عشوائيٍ غير مدروسٍ لكافة الأحياء التي ” تحوّلت ” إلى كانتونات معزولة عن بعضها، يتحكم فيها (شرطي) أو جندي ” عند مداخلها ” ممن عشقوا التباهي بالسطوة التي منحت لهم بحكم القانون (الطوارئ) الذي لم يكن له أي وجود في أغلب الأقضية والنواحي التي تحيط بمركز المحافظة..!

كان يحق لشرطي في نقطة تفتيش مستحدثة أو دائمية داخل المناطق والأزقّة، ممن يحملون (هاتفاً جوالاً) وأغلبهم كانوا كذلك، أن يوقف المارين بسياراتهم الصغيرة أو العائدون كمجموعاتٍ من عملهم بحافلات كبيرة ومتوسّطة وحتى سابلة لساعات طوالٍ، كي يتحدث مع أمه أو حبيبته أو صديقته، ليخبرها أنه يتحكّم بمصير المئات من البشر (صيفاً وشتاءً) ومن يدري ربما كانت ” تلك الأم ” تتوسل به ليفتح الطريق لهم ويرحمهم من المعاناة ليفتح له الله، فيفعل ذلك صاغراً لعيونها ” هي ” وليس حباً أو خوفاً علينا وكم كنّا نعيش التعاسة فيما لو كان مزاجه (متعكّر)..!
أتذكّر يوماً قدومي بسيارتي من قضاء زاخو ” أقصى شمال العراق ” بصحبة ابني بعد قيامي بالتعليق على مباراة كروية.. تطلّب مني قطع المسافة بينها والموصل بحدود خمسين دقيقة، بالتحديد حتى مدخل الفرع المؤدي إلى داري..! ست ساعات وأنا أقف منتظراً دخولي للوصول إلى بيتي الذي لا يبعد أكثر من مئات الأمتار، ولا يتطلّب الوصول إليه أقل من دقيقة بالسيارة وخمس منها راجلاً.. أخيراً منحنا الاذن بالدخول باتجاه دورنا ولكن من دون سيارات، أرسلت ولدي إلى البيت وبقيت أنا في السيارة حتى مطلع فجر اليوم التالي، لأني إن تركت السيارة في الشارع ” وحيدة ” ، فهذا معناه التخلي عنها وتركها للأقدار في غياب ساحات الوقوف المخصصة لمثلها نتيجة أوامر سبق أن صدرت قضت باغلاقها أو التقليل من أعدادها لغاياتٍ معلومة..!
أي سيارة تتواجد في الشوارع من دون صاحبها، يشكُ بأمرها وتعامل على أنّها ” مفخخة ” فيتّم التعامل معها عن بعد، باطلاق مختلف أنواع الرصاص الحيّ صوبها، فإن انفجرت، خير وبركة وإن لم تنفجر يتم الاقتراب منها وإكمال فحصها ثم تركها بعد تقريع (صاحبها) الذي يتحمّل كل شيء للحفاظ على ما تبقّى منها ليجرّها خائب الأمل والرجاء والدموع ” تغدق ” من عينيه وهو يشكو ما حصل معه إلى الله وحده..!
فهل عرفتم سبب عدم تركي لحبيبتي وحدها في الشارع..؟!
دخلت البيت في تمام الساعة الثامنة صباحاً وحينها رأيت جاري سائق الاسعاف (أبو علاوي) متجهاً راجلاً إلى عمله.. سألته: هل تحتاج ” توصيلة ” ؟ أجاب: شكراً أبو نورس ” سيارتي موجودة في الشارع من الأمس.. تركتها لرحمة الله وأنا ذاهب إليها.. دعاءك لي أن أراها بخير..!

من غرائب الأمور التي لم يفهمها أو يعقلها المواطن البسيط قبل (المسؤول) هو ما يتعلّق بالداخلين إلى نينوى ومركزها الموصل ومن ” كل ” الجهات المحيطة بها.. كانوا يعاملون باحترام شديد ويتركون بلا أي عمليات تفتيش أو تدقيقٍ أو مساءلة تذكر، حتى وإن كانت عجلاتهم الشخصية كبيرة أو صغيرة محمّلة بكل الممنوعات أو أنواع الأسلحة والمتفجرات إما ” ورّق ” إدفع وأدخل أو يحمل ” ورقة تبيح له التنقّل بلا توقّف أو ازعاج ” أما من يتكلّمون غير العربية، فمن هو الشجاع الذي ” يندقّ ” بهم خصوصاً إن كانت بطاقات الأحوال الشخصية لهم تؤكد ولادتهم خارج الموصل..!
بالمقابل تبقى بطاقة الموصلّي المولود فيها حسب سجلات وقيد النفوس المعذّب الأوحد، يستثنى من ذلك المسؤول المطيع..!
روى لي صديق مقرّب قبل أن ينتقل إلى رحمة الله وقال ردّاً عن سؤالٍ لي.. حين قلت له: كيف تتحرّك بسيارتك الكبيرة وتعمل وسط هذه الأجواء..؟
ضحك حتى ” بانت النواجذ ” وقال: فيك من يكتم السرّ..؟ أجبت: في بئر..!
مدّ يده إلى جيب ” صدره ” وأخرج لي (هوية) تحمل اسمه الحقيقي.. ثم أعادها إلى جيب داخلي في سترته وأخرج هويّة أخرى تحمل اسم مغاير (حسين ………)..! أعقب ذلك بحركة أخرى عندما أخرج هوية ثالثة تحت اسم (…….. قرياقوس).. هنا ضحكت بدموعٍ لم أتذوّق طعمها، لأني عرفت ما أدمى ” فؤادي ” العليل..!
ثلاث بطاقات شخصية يحملها كي يحمي نفسه، كان يرتدي (الصليب) بسلسلة طويلة ويضع في درج سيارته صور لشخصيات دينية أو (آيات) قرآنية يستخدمها حسب الظرف والحاجة..!
لذا كان الخارجون من ” جحيم ” الموصل مكتوب عليهم الوقوف بالطوابير لساعات، لغرض التدقيق والتمحيص وفتح الكشنات وأغلفة الأبواب والعرض لشمّات من أنوف الكلاب المدربة والزجر من قبل المسيطرين عليها..!

هكذا كانت خططهم بعيدة المدى حين تعمّدوا أن يفلتوا النواحي الأمنية والسماح لمن هبَّ ودبَّ أن يدخل المدينة وإن كانوا غرباء عنها..!

كل من ولد على أرض نينوى عاملوه كـ(منبوذ) يجب (فحصه) وإن تم التعامل معه بنوع من الرفق فهو يبقى مواطناً من الدرجة الثانية..
تصرفات لم نشاهد مثلها في أفلام هوليود وهي تحكي عن قصص العبيد وتطلعاتهم من أجل الحرية وكيف يعاقبون أو يستباح كل ما يعود لهم كما حصل مع الهنود الحمر الذين لم يسلم منهم حتى ” ريشهم ” الذي يفاخرون به..!
ما يدفع للاشمئزاز حقاً، هو تلك التصرفات الهوجاء وكثير منها كان يوثّق (فيديوياً) عن طريق كاميرات أو هواتف محمولة من قبل مقترفي انتهاك الحقوق ” والأمرّ منه ” عندما يعرضون ما (اصطادوه) عبر وخلال شبكات التواصل الاجتماعي..!
فينمو الحنق ويتراكم، لأن لا أحد كان يرضى بايصال الحقيقة وإن حدث، فهناك من يقبر أي محاولة لـ(رتق) الأمور وتصليحها..!

قبل دخول الدواعش بفترات كانت هناك حملات منظّمة للقوات الأمنية (بيشمركة وجيش و قطعات مختلفة بمسميات أخرى) طالت كل الأحياء بحثاً عن السلاح..!
جُردت كل البيوت حتى من القطعة الواحدة التي أبيح اقتنائها أو الاحتفاظ بها بأوامر (مجلس الوزراء) عبر بيانات معلنة على أن تستخدم حصراً للدفاع عن النفس عند الضرورة القصوى وحددت مواصفاتها..!

في أحد الأيام وكان شهر رمضان، حين داهمت حيّنا مجموعة من العسكر وقت السحور تحديداً..!

طرقوا باب بيتنا بشدة اعتقدنا أن جارنا يرغب بالتأكد أننا صحونا لتناول السحور، قبل أن يأتي صوت مؤذن الجامع ناطقاً بكلمة (احترام أمة محمد احترام) و يكررها ثلاثاً وعندها نمسك..
ازدادت الطرقات على الباب وباتت عنيفة ومصحوبة بأصوات عديدة..!
بعد الاستعلام منهم عمن يكونون.. جاءني الصوت ممزوجاً بلكنة كردية افتح.. افتح.. تفتيش..!
سألتهم هل المختار معكم..؟
لم يردّوا سوى بزيادة الطرق على الباب ليستيقظ كل أبناء الحي..!

رضخنا للطرق المخيف وما أن فتحنا الباب، إلّا ودلفت مجموعة مؤلفة من ثمانية أشخاص، بصحبتهم ضابط برتبة نقيب ومن دون مختار المنطقة أو استئذانٍ منّا لنستعدّ على الأقل بإكمال ارتداء ملابسنا ” ألسنا في بيتنا “..!؟
سألوني: هل أنت ربّ الأسرة..؟
أجبت: (نعم).. قالوا: هل لديك سلاح..؟ وقبل أن أجيب، كانت المجموعة تفتش كل زوايا البيت “من مكان وقوفنا حتى سطح المنزل” .. بعثروا كل شيء..
لم يجدوا شيئاً..!

في هذه الأثناء قلت للضابط المسؤول: هل تسمح لي بالحديث والتعريف بنفسي..؟
رد: “اتفضل” بس (لا تُطَوّل)..!
قلت له: أنا فلان الفلاني (صحفي وإعلامي ومرتبط بشبكة الإعلام العراقي قناتّي العراقية والرياضية) وحتى ترتاح، أُخبرك بأن لدي قطعة سلاح وهي عبارة عن مسدس مرخّصٍ حسب الأصول وقدّمت له ما يثبت ذلك مع رخصة حمله الرسمية التي فقدتها فيما بعد، وتحديداً حين هرب من تواجدوا في مبنى المحافظة إثر احتلالها، لأني سلّمتها هناك لغرض التجديد عن طريق صديق لي يدير إعلام المحافظة تركها على منضدة عمله ورحل مع الراحلين خوفاً على حياته، لأنّه من المطلوبين للغزاة الجدد حاله كحال أي إعلاميٍ لا يواليهم أو يتعاون معهم سرّاً أو علناً..!
أمسك الضابط المسدس بيده وربما يكون ” قد” أعجبه لا أدري..!
وضعه على (خصره) تاكياً قبضته بحزامه كما في أفلام الأكشن ثم قال لجماعته انسحاب..!
هنا رفعت صوتي وقلت له: المسدس مرخّص.. أعده لي.. لم يأبه لكلماتي.. فتركني ومشيّ وكأني نكرة، (يستنكف) يأنف النظر اليها..!

لحقت به وأنا أردّد: حسب القانون عليك أن تعطيني وصل استلام به..!
كنت أسير خلفه بعكازيّ وهو ما اعتدته حين (أنزع طرفي الصناعي السفلي).. أثناء سيري خلفه رأيتهم يأخذون قطعة سلاح كانت وحيدة هي الأخرى لدى بيت جاري أبو زيدان (كلاشنكوف لازالت بغلافها لم تستعملَ بعد، كان يحتفظ بها الرجل من سنين كتذكار عزيز لا أكثر) وأيضاً بلا وصل استلام..!

لم أرضخ وأنا ألحق بالضابط الذي وجد فيّ عزيمة وإصرار لم يجده عند غيري، فأخرج (لحظتها) ورقة قريبة من التفسخ من جيبه.. وكتب فيها أنا فلان الفلاني أخذت المسدس من فلان.. لم يذكر اسم المسدس ولا رقمه التسلسلي.. ثم أعطاني إياها..!
كان هاتفي الجوال معي اتصلت بصديقي ومديري بالعمل في المحافظة السيد يعرب السالم مدير محطة العراقية نينوى والرجل قاص وأديب ومعد ومقدّم برامج تلفازية وإذاعية وآخر عهدي به أنّه يؤدي عمله الإعلامي من عمّان الأردنية.. وحمدت الله كثيراً لأنه ردّ عليّ بتلك الساعة المتأخرة..!
شرحت له ما حصل..
طلب مني اسم الضابط، تذكرت القصاصة التي أعطاني اياها.. فقلت له: انه نقيب (ن) من اللواء (…..) فوج (…..).. طلب مني (أبو عروبة) أن أغلق الخط وأنتظر..!

كنت أسير خلف الضابط من مكان إلى آخر راجلاً حتى تقرّح (لاستيك العكاز الملامس للأرض بفعل الاحتكاك الناتج عن تسريع الخطى).. استمر ذلك حتى انبلاج الفجر وظهور بواكير الصباح..
لم أعرف كم هو عدد الكيلومترات التي سرتها خلفهم بعكازيّ بعد تعرّية اسفلهما بالكامل وقتها، بحيث أخذا يحدثان صوتاً وكأنه الطرق بالحديد على الإسفلت..!

رنّ جوالي مجدداً.. يعرب على الخط قال لي:
هل الضابط قربك أجبته بـ(نعم)، طلب مني أن أعطيه الهاتف..!
اقتربت من الضابط وقلت له: المكالمة لك..!
رفض استلام الهاتف أول الأمر ثم قال: (دجيب “أعطني”، بس هم ما راح تفيدك بشي) يقصد.. لن تفيدك المكالمة شيئاً..!
انتهت المكالمة بينهما، أعاد “الموبايل” لي.. قال لي يعرب: ابقى مكانك لا تتحرك لأني سأتصل بجهة عليا مسؤولة عنه..!
دقائق مرّت عليّ كساعات واذا بالضابط النقيب هو من يبحث عني هذه المرّة ويقول لي بلهجته: (ما تكلي “تخبرني” انت وين “أين” تشتغل، تعال ولك “تصغير لأنت” خذ مسدسك وامشي ودير بالك تكول “تقول” لأحد رجعولي المسدس)..!
هنا عرفت بأن الغاية من جمع السلاح تقف خلفها أمور لا يعلمها إلا الله..!

كان الصبح مسيطراً ساعتها سرت نحو داري الذي وصلته عند الساعة السابعة والنصف صباحاً، أي أكثر من خمس ساعات وأنا أسير خلفهم، يعني من الثانية والنصف فجراً وأنا صائم وبلا سحور..!

قبل الدخول للبيت رنّ الهاتف من جديد وكان أخي (مديري) يعرب السالم يستفسر مني وقال: هل أخذت المسدس..؟ أجبت: بنعم خلفها آلاف الحسرات حتى شعر الرجل بحرارة الهواء الذي كنت (ازفر) تعباً وحزناً..!
أخبرني أن أمر عليه في الدائرة لأن هكذا فعل لا يجب أن يمرّ مرور الكرام وخصوصاً مع صحفي قديم ومعروف “مثلي” ويعمل كاعلامي (معدّ ومقدّم برامج يتبع شبكة الإعلام العراقي وعضو هيأة إدارية في نقابة صحفيي المحافظة)..!

لم تكن حملة سحب الأسلحة تشمل حيّنا فقط، بل شملت كل شبر في أحياء الموصل ولو تهيأ لهم لقاموا بسحب حتى سكاكين المطبخ أو تلك التي تقدّم لتقطيع الفاكهة..!

من يقول أن الأمر لم يكن ممنهجاً للذي سيحصل لاحقاً نقول له أنت كاذب وكاذب، بل شيخ معتمد للكذابين وهم كثر..!

في أحد الأيام كنت ضيفاً على الرياضية العراقية وكان الضيف الآخر هو الزميل (رائد محمد) “صحفي” ما أن انتهى البرنامج، حتى راح البعض ممن تضرروا من طرحنا الرياضي يطلقون عليّ وعلى الزميل الذي ظهر معي “لقب” (داعشي) وأقسم بالله العليّ العظيم.. كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع بها عن مفردة (داعش) بل زادهم الأمر حينها، أن طالبوا بنصب مشانق لي ولغيري من الصحفيين لتعليقنا في ساحة الفردوس الشهيرة وسط العاصمة وتنفيذ حكم (الإعدام) بنا علناً..!

لن نتحدث عن المضايقات الأخرى ونواصل إكمال فصول طرح المدينة للبيع من دون مزاد..!

شارع الموصل كان يغلي من الإهمال والتعامل مع أهل المدينة بفوقية مكشوفة..!
صراعات الساسة كانت في قمتها..
فوز أثيل النجيفي بمنصب المحافظ وهو المعدّ والمحسوب على التيار السنيّ المتشدّد، جعل الأمور تختلط ببعضها.. والرجل تحوّل بسرعة البرق من معادٍ هو وقائمته للإخوان الأكراد ومن ثمّ تتغيّر نبرته الكلامية المعلنة فجأة، حتى راح يغازلهم ويقدم التنازلات الكثيرة لهم.. “مفارقة لا تصدّق” أليس هو من (عبأ الشارع “الموصلّي” في فترات عديدة ضدهم ثم انقلب هكذا) وهو ما أفقده المصداقية و”الشعبية” التي كانت له ولا ينكرها أحد وخصوصاً بعد أن شاهد الجميع التغلغل التركي بالمدينة، بحيث بات القنصل المتواجد مقره في (المنطقة الخضراء الموصلية) حي الطيران.. له مكانة كبيرة ويؤخذ بكلامه إن لم يكن هو الحاكم الحقيقي من خلف الستار..!

الارتماء بأحضان تركيا ذات الأطماع التاريخية بولاية الموصل مترامية الأطراف، زاد الحنق على المحافظة، تبعها تبديل قائد العمليات والمجيء بـ(مهدي الغراوي) الذي ما أن استلم المسؤولية، حتى راحت الإتاوات تزداد وتجبى باسمه (علناً ومن دون حياء) ثم كانت المناكفات التي استعرت بين الغراوي والنجيفي، هي من انعكست سلباً على كل نواحي الحياة في مدينة عانت الأمرّين من التهميش والإهمال وتعذيب الكثير من أبنائها بحق أو من دونه تحت مختلف التهم الصحيحة أو الدسيسة..!

كل أهالي الموصل يتذكرون ذلك المعتقل الذي أتهم “يوماً” وعرضوه علناً معترفاً بما نسب إليه، بكونه قناص (تنظيم الدولة الإسلامية) والذي كان ضعيف البصر (أحوّل العينين).. حين أخضع للتحقيق والتعذيب.. اضطر الرجل ليعترف ساعتها، بأنه كان السبب بكل العمليات التخريبية التي جرت في العراق وليس الموصل فحسب وأنه صديق مقرّب من عزة الدوري بل هو ابن (خالة) بشار الأسد شخصياً..!
بعد فترة اعتقال وزيارة عدة لجان لحقوق الإنسان للسجن الذي تواجد فيه، أطلق سراحه لأنه اتضح بكونه (بريء) وإن قوّة البصرلديه هي (ستة على ستين) أقسم وهو القائل واسمه “ط” حين كنت أنصت لحديثه في مقهى النوارس الخاص بالرياضيين بأنّهم أجلسوه عارياً على “لولب” كرسي دوّار وأنّه بقيّ يعاني الآثار التي تركتها “اللولب” مصحوبة بنزيفٍ دمويٍ لايتوقف إلّا بلبس “حفاظة” كي لا تتسخ ملابسه الداخلية..!

كانت الأخبار تأتينا بوجود عمليات تستهدف مدينة سامراء فيما كانت أوضاع الموصل مقلقة جداً.. هناك من قرر النزوح صوب محافظات الشمال وآخرين قرروا الهجرة نحو تركيا أو أي دولة أوربية تنجيهم من الهوان المصحوب بالموت..
ارتفعت أسهم من يهرّبون الناس وحتى أهل الرياضة كانت لهم “مساهمة وفائدة” بالتهريب عن طريق (كتب تصدر) مدفوعة الثمن للاتحادات المركزية التي تستقر في بغداد، مقابل مبالغ تتراوح بين (70 و 100) ورقة من فئة المئة دولار وكثير من الهاربين يتواجدون هناك اليوم كلاجئين أو حملة جنسيات..!

الأنباء تتضارب.. هناك دخول لمسلّحين قادمين من الجزيرة باتجاه الجانب الأيمن، بعد سيطرتهم على القرى المجاورة للمدينة..!

حسب علمنا كانت هناك فرقة عسكرية تنتشر قطعاتها في تلك المنطقة ومقرها (الكسك) في سنجار “شنكال” باللهجة الكردية..!
لم يدخل المسلحون سنجار، بل اتجهوا إلى الأحياء الحدودية لمركز مدينة الموصل..!

لم تكن هناك مقاومة تذكر حسب الأخبار التي كنّا نستقيها..!
كانت أحياء النهروان و(الجلاقة) ومشيرفة وسيطرة بوب الشام والاقتصاديين والإصلاح الزراعي أول من تواجد فيها (الغرباء).. أعداد من أصحاب اللحى الكثّة والرايات (السود) وكانوا “قلة قليلة جداً” ولكنهم يتحركون بعجلات مدنية وهم يحملون أسلحة خفيفة وقسم آخر منهم يتحرك بسيارات حديثة لم نرَ مثلها وقتها..!
هنا عرفنا بأن الخلايا التي كانت نائمة، تم الايعاز لها “لتستيقظ” وهو ما كان، لتبدأ أكبر عملية تخويف عن طريق نشر الإشاعات التي تحبط الجميع وتتلاعب بهم.. فعلاً حققت الإشاعات الغرض منها وأكثر فيما بعد..!

نتابع الأخبار عبر قنوات المحافظة المحلية فضائيات (الموصلية ونينوى الغد وسما الموصل) كلها تنقل التصريحات من المسؤولين وأغلبهم يقولون لا يوجد شيء..! الأوضاع مسيطر عليها بالكامل..!

من تواجد بالجانب الأيسر بدأ يرى أعداد غير قليلة تنزح باتجاهه وهنا لا ينكر دور الأهالي والشباب الذين قدّموا المساعدات من طعام ومياه ونقل كبار السن من كلا الجنسين، إضافة للأطفال والعجزة بل كانت هناك (أسرّة) تتنقل وعليها مرضى لا يقوّون على الحركة..!
زادت موجات النزوح وما كان إشاعة، رأيناه حقيقة من خلال ما رحنا نسمعه من القادمين سكان الساحل الأيمن..!!

انتشر المسلحون في أغلب المناطق المحاذية لحدود المدينة من جهة سوريا (الجزيرة)..!!
سمعنا عن سقوط أحياء أخرى مثل الرسالة والمأمون وحي العامل وجزء من “17 تموز” أحد أثرى الأحياء بسكّانه وأغلبهم من الضبّاط والتجّار والميسورين..
بدوره محافظ نينوى ومن خلال حركة (رامبوية) استعراضية بصحبة مجموعة من حمايته راح يتنقّل في عدد من أحياء الموصل القديمة (محاذية لمقر عمله) مروراً بمنطقة باب الطوب ومبنى المحافظة وسط المدينة ثم التوجه إلى الدواسة صعوداً لمقر العمليات في ظل غياب الأهالي بفعل حظر التجوال…!

كان هناك مجموعة من الشرطة ممن اتجهوا للساحل الأيسر، تحدّثت معهم بنفسي وقلت لهم: ماذا يجري..؟
ردّوا: أبلغونا ويقصدون المسؤولون المحليون أن نترك أماكننا وننسحب..!
اتصلت بعدد من معارفي العسكر وغيرهم.. سألوني أين أنت قلت لهم في الموصل..
قالوها علناً: اهرب بجلدك وعائلتك..!
لم آخذ كلامهم على محمل الجد ونمت ليلتي بعين مفتوحة (كالذب الجريح المتحفّز لأي طارئٍ) وأنا أعيش صراعاً بين الهرب وترك كل شيء أو البقاء واستجلاء الأمور.. فربما يأتينا المدد من بغداد وتنتهي الأوضاع بظرف ساعات أقول ربما..!
سقطت أحياء أخرى منها “النجار والرفاعي” واذا بقائد عسكري وهو “الغراوي بنفسه” يظهر ليعلن عن تواجد قائدين عسكريين كبيرين قدما من بغداد وهما (كمبر وغيدان) ويصرّح بأن الوضع مسيطر عليه وانهم شكّلوا “خط صد منيع” بالقرب من فندق الموصل المواجه لحي الزنجيلي والقريب جداً من الجسر الثالث وأكبر مجمع للمستشفيات الحكومية في المدينة…!
هنا شعرنا بأن الموصل في طريقها للاستباحة وأصبح الأعداء على مرمى حجرٍ من وسط المدينة..
من يعرف الموصل يعلم أن ما أعلن يعني اعتراف بسقوط أكثر من ثلث الجانب الأيمن..!
(تنظيم داعش ومناصروه) راحوا ينشطون على شبكات التواصل والاتصالات مع الأصدقاء في بغداد تتوالى بل وحتى من خارج العراق كنا ننقل كل شيء لهم بصراحة متناهية..
بعض هؤلاء غدرونا فيما بعد وكادوا يتسببون بقتلنا لأنهم كانوا يظهرون أسماءنا الصريحة وكأنهم يريدون أن يعلموا (الدواعش بأننا نسرّب المعلومات عنهم) وهؤلاء سنشير لهم بحروف من أسمائهم أو كنياتهم وهم يعرفون أنفسهم (المريضة)..
كان يتواصل معي صديقي اللاعب الكروي السابق جبار حميد “أبو آية” لاعب الجوية السابق من كندا وكذلك الزميل والصديق الدكتور سمير الشكرجي من رومانيا أو هولندا أو مولدافيا حيث كان ولازال عاشق متيّم للسفر ويتنقّل حيث رغبت النفس وهو الهارب من جحيم العراق في تسعينيات القرن الماضي وهذان الصديقان حاولا وبشتى السبل تحويل مبالغ نقدية لي لأنجو وعائلتي وأترك خلفي كل شيء وكذلك صديقي البغدادي الساكن في الأردن المهندس سعد علي وكيل شركةٍ ألمانية “هارب أيضاً من الجحيم منقذاً ما تبقّى من جسده الذي طالته آثار مميتة تعالج منها بأعجوبة..! وأيضاً ابن العمارة الوفي الصديق “أبو زينب الميّاحي” وهو الوحيد مع الزملاء إياد الجوراني وإياد الصالحي وجعفر العلوجي والدكتور صبري بنانه والدكتور سعدون ناصر واحمد العلوجي من كنت أتواصل معهم وأحكي لهم ومعهم حتى فرط عقدهم تتابعاً وراح قسم منهم يتلاشى تدريجياً من التواصل معي مع مرور الأيام..
كنت أتألم بشدّة وقت تلك الأحداث الجسام، وأعيش صدمة مهولة، حتى جاءت “الصعقة الحقيقية” التي أنهت ثلاثة أيام من “التصريحات والعنتريات الكاذبة” حين رحنا نسمع أصوات المدفعية والهاونات تنطلق من مقر إحدى الفرق العسكرية المتواجدة في (منشأة الكندي) والقصور الرئاسية التي غابت عنها فجأة المناطيد الأمريكية التي كانت في السماء للرصد..!
تساقط ضحايا من المدنيين نتيجة القصف المتبادل والذي رأيناه لأول مرة يحدث في الموصل، فيما كانت الدعوات عبر وسائل الإعلام تتزايد للتبرع بالدماء وانقاذ أرواح العسكريين والمدنيين ممن سقطوا جرحى وكم حاولنا تلبية الدعوات تلك ولكن المعاناة بعبور الجسور والتي تستمر لساعات ولم تتحقق الا بصعوبة، جعلنا نعود أدراجنا لنجثم في مناطقنا، حتى مجيء “الانفجار الهائل” الذي أنهى كل شيء تقريباً، عندما انفجر ذلك “الصهريج الذي كان مملوءاً بالمواد شديدة الانفجار يقوده انتحاري ليبي الأصل” والذي مرّ من أمام الجميع، من دون أن يجد من يعالجه أو يوقفه وينفجر على ما سمّي بخط الصدّ الرئيسي ومن كانوا هناك ليس أكثر من قوة بسيطة، عقب معرفتنا بانسحاب الشرطة الإتحادية وقوات أخرى عن طريق موصل بغداد باتجاه تكريت وسامراء وبغداد بداعي الحفاظ عليها للمناورة لاحقاً..!
كان المحافظ النجيفي والغراوي “قائد العسكر” يظهرون من على شاشات الفضائيات وكل منهم يتهم الآخر بشكل مبطن والمحافظ ينادي شعب المدينة للخروج معه وحمل السلاح (هو يعلم بعدم وجود السلاح عند الأهالي)..!
فكان يردد من ليس لديه سلاح عليه أن يلتحق بنا ونحن “نعطيه إياه” كما وجّه الدعوة لضباط الجيش السابق والمراتب ممن أحيلوا قسراً على التقاعد أو ابتعدوا رغماً عنهم أو برغبتهم، للإلتحاق به والمساهمة برد المسلحين ويتناسى أن من كانوا يحمون الساحل الأيمن تركوا أبراج المراقبة والأحياء التي كانوا يشرفون على حمايتها وهربوا..!
ليأتي الإعلان بالانسحاب “الكامل” للمتبقي من القطعات وإدارات الوحدات الإدارية” نحو الساحل الأيسر والذي بات يشهد موجات بشرية لم نر مثلها أيام الحج وليس العمرة أو الزيارات للمراقد المقدسة في مواسمها..!
جلست وأنا أبكي مسترجعاً أبياتٍ من الشعر قالها أمير المومنين عليّ رضي الله عنه وأرضاه إلى يوم الدين.. رددتها بسري..

كم عالمٍ متفضّلٍ قد سبّ … من لا يساوي غرزة في نعله
البحر تعلوا فوقه جيّف الفلا … والدرّ مطمورٌ بأسفلِ رمله
وأعجب لعصفورٍ يزاحم باشقاً … إلا لطيشته وخفّة عقله
إياك تجني سكراً من حنظلٍ … فالشيء يرجع بالمذاق لأصله
في الجو مكتوبٌ على صحف الهوى … من يعمل المعروف يُجزَ بمثله ..

-يتبع-

ترقبوا.. في الأجزاء القادمة:

عمر في كربلاء يمشي “ملكاً”

كبيرهم قبل صغيرهم وإهانة الشرف العسكري والهروب كالجرذان..؟

كيف تركت طائرات القادة.. وكيف استثمروها المحتلون “الدواعش” ؟

من كان يسابق عجلتي القديمة حين آثرنا الهروب وماذا كان يقول لنا ؟

ماذا شاهدنا في مبنى العراقية نينوى وجاره للموصلّية..؟

متى وكيف وماذا قال لي كامل زغير عضو اتحاد الكرة وعرض عليّ.. ؟

للنجفي الكرعاوي موقف يسطّر بماء الذهب

من كندا يطالبوني بالتوجّه إلى منطقة الحرية في بغداد..!

ماذا حصل حين شاهدت أول مجموعة من أفراد (داعش) وهم يأمرونا بالتوقف..؟

الجثث تملأ الشوارع وحكايات المسؤولين ولبس الدشاديش..!

الملا عبدالخالق مسعود وموقف سيأتي ذكره

لماذا فقدت الثقة بالجميع وبقيت أنا وثعلب كرة الموصل محمد فتحي فقط حتى هروبه هو الآخر تاركاً إياي للأقدار؟!

صديق أربيلي تجاوز عليّ وقال لي.. مو عيب عليك.. تخابرني بهذا الوقت.. لك دروح!

كيف أنقذت المرحوم عبدالله الجايجي “صاحب مقهى النوارس” وهرّبته إلى الشمال بعد سقوط الأيمن؟

ملاحظة مهمة:
الحقوق محفوظة للكاتب فقط..
ملاحظة 2: نتعمّد وضع عناوين يأتي ذكرها أو يتأخر لأسباب تشويقية..!

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار