المحلية

الدگة العشائرية.. بين التعصب الجاهلي والترهيب العشائري

بقلم: فضيلة الشيخ وديع العتبي..
قال تعالى (لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍۢ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
اليوم أتناول موضوع الدگة العشائرية والتي ما أنزل الله بها من سلطان،
هنالك كثير من الثقافات والممارسات القبلية والتي كان يمارسها الناس ما قبل الاسلام والتي نعتها القرآن الكريم بالجاهلية الأولى ومنها الغزوات العشائرية حيث يأكل القوي الضغيف بعيدا عن اي قانون او اي شريعة والحاكم آنذاك هو السيف والقتل والغطرسة التي تمارس على الضعفاء وسلب قوتهم بأي طريقة ويتخذ من شيخ القبيلة هو المفتي وصاحب القول الفصل حتى اصبح الولاء والموالاة للعشيرة وشيخها الذي ورث هذه الثقافة من أبائه وأجداده والذي يتفاخر بغطرستهم وشجاعتهم لا بعلمهم ودينهم واخلاقهم .

ولما جاء الاسلام المحمدي الأصيل وبشريعة دينية سمحاء تصحح المسار لتلك الثقافات وتوضع القوانين والنظم الشرعية التي تحفظ الدماء والحقوق لكل ذي حق بعيدا عن اي ممارسات لا يقرها الشرع المقدس حيث جعل الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب قوانين وشرائع تتقدم بالبشرية لما فيه خير وصلاح وأرسل انبيائه ورسله واوليائه ليبينوا تلك الاحكام والشرائع يحرمون ماهو قبيح ويحللون ماهو حسن ليخرجوا البشرية من الواقع الجاهلي الذي كانت عليه الى عالم وعصر التقدم والتطور وبناء الحضارات الذي وصلت اليه البشرية في عصرنا الحاضر مع حفظ الشرع والشريعة وتبادل الاحترام بين جميع الامم من خلال بث روح العدل والمساواة بين الناس على اختلاف مشاربهم واديانهم وطوائفهم٠

وقد بين جل وعلا في كتابه العزيز هذه المعاير والموازين التي تعتبر المسار الصحيح للتعامل بين جميع الناس حيث ورد في الأية الكريمة(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)فالخطاب بدأ ايها الناس ولم ايها المسلمون او المسيحيون او غيرهم من الاديان بل الخطاب موجه الى جميع الناس بأسرهم وقد بين لنا عز وجل ان التركيبة الانسانية تقتضي ان تكونوا شعوبا وقبائل لها عناوين متعددة وعلى اختلاف تلك العناوين هم يرجعون الى عنوان واحد وهو ادم وحواء فلا تمايز بين شخص واخر وانما من المستحسن ان يكون بينهم التعارف والتواصل وفتح قنوات العمل التجاري والاقتصادي وبث روح المحبة بين الناس لذا قد طرح لنا أمير المؤمنين أطروحة إنسانية تنسجم مع الطرح القرآني وتعتبر بمنزلة المنهج العملي الذي تتعبد به البشرية وهو الان قد وضع على مدخل الأمم المتحدة حيث قال ( الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نضير لك في الخلق) وهذا قانون للتعامل بين الناس يحفظ كرامة الانسان بعيدا عن معتقداته واما الأفضلية والتفاضل فهو متروك للباري عز وجل ٠
اليوم وبعد مضي أربعة عشر قرنا على الجاهلية وممارساتها الا ان الكثير من شعوبنا وبالخصوص الاسلامية لم ترغب بنزع رداء الجاهلية مع انها ترتدي لباس الاسلام المحمدي حيث مازالوا يمارسون بعض الثقافات الجاهلية بتعصب وتشدد ومنها (الدگة العشائرية ) والتي تعد نوعا من الترهيب للسلم المجتمعي حيث تحمل هذه العشيرة على تلك لترميها بوابل من الرصاص الحي على المنازل لترهب الاطفال والانساء والشيوخ الطاعنين في السن لترغمهم على الفصل او الغرامة العشائرية بعيدا عن الاخلاق الانسانية والاسلامية التي شرعها الله جل وعلا
تاركين شريعة الله ورسوله بعيدين عن منهج الانبياء والرسل صلوات الله عليهم اجمعين مهم يعلمون ان الانبياء الذين امرنا الله ان نقتدي بهم كانوا يستخدمون الحوار البناء حتى مع أعداء الله وأعداء البشرية وخير مثال على ذلك يرسل الله نبي الله موسى عليه السلام ووزيره هارون ليخاطبا ويتحاورا مع فرعون الطاغية والمدعي للربوبية يأمرهم بأن يقولا له قولا لينا اي حوار دبلوماسي هادئ ويذكراه بأيات الله سبحانه وتعالى حيث ورد في قول تعالى
{اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآياتي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي* اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى* قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى* قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى* إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى)
فالحرار منهج الأنبياء والاولياء والعلماء لماذا نبتعد عن هذا المنهج النبوي ونتعبد بمنهج جاهلي كم من أعراض هتكت وأنفس زهقت بسبب التعصب والتشدد الجاهلي دون اي مراعات للحقوق الله والناس ومن الجدير بالذكر ان الدكة العشائرية الهدف منها ليس القتل وانما لإرغام الطرف الخصم على الجلوس والإذعان للحوار ولكن بعد فوات الأوان وهذا من المضحك المبكي اي عقول تقودكم ان نجلس ونتحاور بعد اراقة الدم ليس من المنطق والعقل والشرع ان نتحاور ونصل الى الرضا والاصلاح قبل ان تقع الدماء البريئة والتي سفكت نتيجة التعصب والتشدد لماذا هذا التعدي على حدود الله أما ترعون لله شرعا او قانونا وهل لاموال تعوض تلك النفس التي قتلت بسبب تعصبكم الجاهلي ماذا نقول لله يوم ان نقف بين يديه فقراء. محتاجين الى رحمته ومغفرته من عذاب النار أعاذنا الله واياكم من سعيرها٠

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار