مقالات

التنافس الانتخابي

محمد عبد الجبار الشبوط..
الحياة السياسية تنافس بين الطامحين على الخدمة العامة، او صراع بين الطامعين بالسلطة. الحالة الاولى بنّاءة، والحالة الثانية مدمرة. وحديثي عن الحالة الاولى، رغم علمي بوجود كثيرين من الحالة الثانية. وحتى تتحقق الحالة الاولى فعلا بين الذين يخططون من الان لخوض الانتخابات، سواء من الاحزاب التقليدية ام من الولادات الجديدة، فان على المتنافسين ان يقوموا بامرين قبل الانتخابات وهما:
الامر الاول: الاعلان صراحة وعلنا ونصا والتزاما ان هدفهم الابعد هو اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. وهذا ليس اسما للدولة وانما وصف لها. والوصفان واضحان لا يحتاجان الى كثير شرح وتحليل. فالحضارية تجسد منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. ومن بين هذه القيم الحرية والعدالة والمساواة والتسامح والعفو عند المقدرة والتعايش السلمي ونبذ العنف والاحترام المتبادل والاخلاص في العمل والنظافة والنزاهة وغيرها كثير. والحديثة تجسد مواكبة الدولة لعصرها الراهن وتوظيف العلم الحديث في بناء الدولة وفي القيام بوظيفتها.
وهذا الوصف للعراق، اي كونه دولة حضارية حديثة، ليس وصفا دينيا ولا علمانيا ولا سياسيا ولا ايديولوجيا، انما هو وصف حضاري، لا ينزع من المتنافسين السياسيين خصوصياتهم العقائدية ولا السياسية.
والدولة الحضارية الحديثة دولة خدمية بالدرجة الاولى، هدفها وغرضها تقديم افضل الخدمات الادارية والاقتصادية (الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات) والصحية والتربوية الخ لساكنيها، ومن اجل تحقيق ذلك فهي تعمل على توفير كل مستلزمات تنمية الانتاج (التنمية المستدامة) وعدالة التوزيع. انها دولة الرفاهية والرخاء بحدود ما توفره الموارد الطبيعية للبلد والسياسة الاقتصادية للدولة.
ولكي تستطيع الدولة تحقيق ما تقدم يجب ان تبنى على خمس قواعد اساسية هي: المواطنة، والديمقراطية، وسيادة القانون، والمؤسسات، والعلم الحديث.
وهذا ما يتمناه ويريده كل انسان لنفسه وعائلته واصدقائه بغض النظر عن دينه او طائفته او قوميته او حزبه. ولا علاقة لهذه الامنية المشتركة بحالة اليأس والاحباط والسلبية التي وصل اليها عدد كبير من المواطنين.
ولهذا لا اتوقع ان تختلف الاحزاب القديمة والجديدة على الرغبة في ان يكون العراق دولة حضارية حديثة ما دامت تتحلى بالاخلاص في خدمة وطنها ومواطنيها.
وليس من الصالح ان تختلف هذه الاحزاب فيما بينها حول هذا الهدف، او تطرح اهدافا بديلة غامضة ليست ذات حدود او دلالات واضحة. والعبرة هنا ليست بالمصطلحات والكلمات، وانما بالمضامين والدلالات. وقد طرحت بايجاز شديد دلالة كلمتي الحضارية والحديثة، والعبرة بالدلالة التي يجب الحفاظ عليها في الشعارات التي تطرحها الاحزاب بنوعيها.
لكن الاتفاق على المصطلح والمضمون يساعد في تحقيق وحدة وطنية واجماع شعبي حول هدف واحد مشترك قادر على ان يلبي كل تطلعات العراقيين، ولتسهيل الامر طرحت شعار الدولة الحضارية الحديثة كاطار لوحدة التفكير والهدف والهوية.
الامر الثاني: الخطط العملية التي اعدتها الاحزاب بنوعيها لتحقيق الامر الاول في حال نجحت في الوصول الى السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية. هنا، لا مانع من الاختلاف، بل نتوقع ان يحصل اختلاف في الطرق والوسائل التي يراها كل حزب للوصول الى الهدف المشترك وهو الدولة الحضارية الحديثة. ويتعين على كل حزب ان يشرح للناخبين طريقته المقترحة للوصول الى الهدف. وهذا هو البرنامج السياسي للحزب. وسيكون على الناخبين وحدهم اختيار الطريق الذي يعتقدونه الافضل. وهنا تأتي مسالة ضبط التعددية. فلو كانت الخيارات المطروحة قليلة العدد فسوف يكون بالامكان ان يحصل احدها كمية اكبر من اصوات الناخبين، بما يمكنه من تحقيق اغلبية برلمانية مطلقة، وعندذاك يتم تكليف زعيم هذا الخيار بتشكيل الحكومة وتنفيذ برنامجه السياسي الذي يوصل العراق الى الدولة الحضارية الحديثة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار