مقالات

الدرس الانتخابي

محمد عبد الجبار الشبوط..
يتهيأ الناس لخوض الانتخابات البرلمانية الخامسة منذ سقوط النظام الدكتاتوري في عام ٢٠٠٣ حتى الان. وكما في المرات الاربع السابقة لا يبدو ان الراغبين في خوض غمار الانتخابات قد فهموا الدرس الانتخابي البديهي وهو:
مرشحون اقل… اصوات اكثر،
مرشحون اكثر … اصوات اقل.
في الانتخابات الماضية كان عدد الاحزاب يتراوح بين ٢٠٠ الى ٣٠٠ حزبا. واطلقنا على هذا العدد وصف التعددية المفرطة، اما في هذه المرة الخامسة فقد تجاوز العدد ٤٥٠ حزبا. وهذه تعددية مريضة وليست ظاهرة صحية.
لا انكر ان كل المجتمعات تشهد انقسامات سياسية كثيرة. ولا عقدة عندي من هذا الاختلاف والانقسام خاصةً وانا اقرأ في القران الكريم قوله تعالى: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ”.
ولكن الفرق بين المجتمع حسن التنظيم وغيره ان المجتمع الاول يستطيع ضبط هذا الاختلاف والتعدد ومنع من ان يكون مفرطا او مرَضيا، وذلك بالنزول بالتعددية الى الحد الادنى وعدم اطلاق العنان للتعددية لتصل الى السماء.
خذ مثلا المجتمع البريطاني. فهو مجتمع منقسم اثنيا وسياسيا، لكنه استطاع ضبط التعددية الحزبية ضمن ٣ الى ٤ احزاب رئيسية. والمجتمع الاميركي اكثر انقساما من المجتمع البريطاني لكنه استطاع ضبط التعددية ضمن حزبين رئيسيين.
اما المجتمع العراقي فهو اقل انقساما من المجتمعين البريطاني والاميركي، ومع ذلك لم يستطع ضبط التعددية في الاطار المتعددة.
لننظر الى اوجه الانقسام في المجتمع العراقي.
الوجه الاول: الانقسام العرقي والطائفي الى عرب واكراد، او شيعة وسنة، وهذا الانقسام متداخل، ولا يستدعي وجود ٤٥٠ حزبا.
الوجه الثاني: الانقسام الايديولوجي الى علمانيين واسلاميين، وهذا الانقسام حدي ولا يستدعي وجود ٤٥٠ حزبا.
الوجه الثالث: الانقسام السياسي الى احزاب السلطة التقليدية والاحزاب الرافضة لها، وهذا الانقسام حدي ايضا، وهو لا يستدعي ٤٥٠ حزبا.
بالنظر الى هذه الاوجه من الانقسام يمكن ان نفترض وجود ثلاثة احزاب بالحد الادنى المريح، الى ٧ احزاب بالحد الاعلى المريح، لكن البحث والتحليل العلميين لا يصلان الى ٤٥٠ حزبا قطعا.
احد المعلقين اعترض على رفضي للتعددية المفرطة واعتبر انه من حق اية مجموعة من المواطنين تشكيل حزب. وقد يكون هذا صحيحا على المستوى النظري، لكنه ليس سليما لجهة البحث في مخرجات التعددية المفرطة.
فالتعددية المفرطة تؤدي الى الضياع المفرط للاصوات. ففي دائرة انتخابية تتطلب نائبا واحدا رشح ١٠ اشخاص مثلا سوف يفوز مرشح واحد، لكن الاصوات التي ذهبت الى المرشحين التسعة الاخرين ذهبت سدى.
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان فرص الفوز بالنسبة للمرشح الواحد تقل كلما زاد عدد المرشحين في الدائرة الواحدة. ففرصة الفوز في دائرة ذات مرشح واحد هي ١٠٠٪، وفي دائرة ذات مرشحين اثنين هي ٥٠٪، اما في دائرة ذات عشرة مرشحين فهي ١ من ١٠ او ١٠٪.
اما الضرر الاكبر للتعددية المفرطة فهي تعذر او صعوبة ظهور حزب كبير يتمتع باغلبية برلمانية كبيرة. والذين يتحدثون عن حكومة اغلبية سياسية بهذا التعدد المفرط لا يفهمون كيف تشتغل الاليات الديمقراطية. سيقول البعض ان الفائزين يمكن ان يشكلوا اغلبية سياسية برلمانية لاحقا، وجوابي ان التحالفات التي تنشأ بعد الانتخابات انتهازية وموسمية ولا تهدف الى خدمة المواطنين.
كل هذا يعني المجتمع العراقي مجتمع سيء التنظيم. ولهذا فهو غير قادر على ضبط التعددية ضمن الحالة الصحية. وفي هذه الحالة لابد من قانون احزاب وقانون انتخابات يحدان من التعددية المفرطة رسميا، وهذا ما نفتقده حتى الان.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار