مقالات

الحل الحضاري

محمد عبد الجبار الشبوط..
اتابع باهتمام، كما يفعل غيري من المواطنين، حركة السوق السياسي الرائجة هذه الايام، والتي تشهد طرح “مبادرات” وشعارات جديدة لحل المشكلة او المشكلات العراقية.
وبدون الخوض في تفاصيل هذه الشعارات، اقول بأسف انها تدور في نفس الدائرة، وتنطلق من نفس نمط التفكير السائد منذ سقوط النظام الدكتاتوري البعثي المتخلف، اي النمط المكوناتي، الذي كان من العوامل الرئيسيّة التي انتجت حالة العوق والفشل في الدولة العراقية الراهنة.
في تشريح جسم الدولة، اقول انها تتألف من العناصر التالية:
اولا، الناس الذين ينقسمون الى طبقتين هما طبقة الحاكمين وطبقة المحكومين.
ثانيا، الارض، التي هي منطلق فكرة المواطنة، وقاعدة النشاط الاقتصادي.
ثالثا، العلاقة المعنوية التي تربط الناس بالناس، والناس بالارض.
رابعا، النظام القيمي، او منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.
وعلى من يتصدى للشأن العام ان يعرف ويدرك ان اساس المشكلات التي يعاني منها العراق هو الخلل الحاد في العناصر السابقة كلها. وهذا هو ما نسميه التخلف الحضاري. واي علاج لاية مشكلة في العراق يجب ان يكون ضمن معالجة التخلف الحضاري نفسه. ولا يمكن ضمان ذلك الا اذا كانت الحلول والمقترحات مفردات مترابطة يجمعها العنوان العريض الذي هو: الدولة الحضارية الحديثة. فكرة هذه الدولة تتألف من جملة مبادئ اساسية في مقدمتها: المواطنة، والديمقراطية، والقانون، والمؤسسات، والعلم الحديث. ولا نجد صعوبة في تشخيص ان المقترحات المطروحة بعيدة عن فكرة الدولة الحضارية الحديثة، ابتداء من تجاهلها الفاضح والواضح لمبدأ المواطنة وانتهاءً باخر التفاصيل.
ليس هناك امل بالاصلاح الحقيقي الا اذا قامت شريحتان من الناس بواجبها في التغيير، وهما: شريحة “الاقلية المبدعة”، وشريحة المواطنين الفعّالين، بمساندة جمهور الناخبين، و بشرط ان تنطلق هاتان الشريحتان في تفكيرهما وعملهما وحلولهما من فكرة الدولة الحضارية الحديثة، لان هذه الفكرة وحدها هي القادرة على القضاء على التخلف الحضاري، وتحريك عناصر المكون الحضاري بالشكل المؤدي الى وفرة الانتاج وعدالة التوزيع. كل ماعدا ذلك لا يعدو ان يكون اعادة الانتاج للتخلف وتدوير المشكلات اليومية للمواطن العراقي.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار