العربي والدولي

في ذكرى قرار تقسيم فلسطين كما يكتب أمين محمود

((وان_بغداد))
تهل علينا اليوم الذكرى الثالثة والسبعون لقرار تقسيم فلسطين رقم 181 والذي تم التوصل الى إقراره بأغلبية الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك في التاسع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1947. وقد صوت الى جانبه 33 دولة (استراليا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، بيلاروسيا، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمارك، الدومينيكان، الإكوادور، فرنسا، غواتيمالا، هاييتي، ايسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النرويج، بنما، باراغواي، بيرو، فلبين، بولونيا، السويد، أوكرانيا، جنوب أفريقيا، الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، الاورغواي، فنزويلا) وعارضته 13 دولة (أفغانستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، ايران، لبنان، باكستان، السعودية، سورية، تركيا، اليمن) وامتنعت عن التصويت 10 دول ( الأرجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، سلفادور، إثيوبيا، هندوراس، المكسيك، بريطانيا، يوغسلافيا) وغابت تايلند عن التصويت. ودعا القرار الى تقسيم فلسطين الى دولتين: عربية ويهودية بحدود إقليمية محددة، كما دعا الى ايجاد وضع خاص لمدينة القدس وقيام تعاون اقتصادي بين الدولتين. وقد بذل كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة جهودًا مكثفة لتأمين موافقة ثلثي الأصوات اللازمة للمصادقة على القرار، وقام ممثلو الدولتين الكبريين باستخدام شتى وسائل الضغط على العديد من الدول الأعضاء وخاصة ممثلي الدول الآسيوية ودول اميركا اللاتينية. ومن الملاحظ انه كثير ما يشار الى ان قرار التقسيم وفر الأساس القانوني لإعلان قيام الدولة اليهودية، وإذا كان هذا الامر صحيحًا، فانه من الصحيح أيضا ان قرار التقسيم يشكل ضمنا هو الآخر أساسًا قانونيًا لإنشاء دولة عربية في فلسطين.
رحبت القيادة الصهيونية، من جانبها، وخاصة الوكالة اليهودية بقرار التقسيم وأقرته مرحليًا دون تخليها بالطبع عن هدفها النهائي بإقامة الدولة اليهودية مستقبلا على كافة الأرض الفلسطينية، غير ان المتشددين اليهود من أمثال مناحيم بيغن رئيس منظمة الأرجون الصهيونية، وعضو عصابة الشتيرن اسحق شامير رفضوا هذا القرار. وقد ورد في تقرير لهيئة الأركان المشتركة الأميركية ان “الاستراتيجية الصهيونية سوف تسعى في سلسلة من العمليات التي تتسع وتتعمق باطراد لتحقيق أهدافها التوسعية”. وسرد التقرير هذه الأهداف كالآتي:
1 – سيادة يهودية في البدء على جزء من فلسطين.
2 – قبول الدول الكبرى بحق الهجرة اللا محدودة.
3 – بسط السيادة اليهودية على فلسطين بأكملها.
4 – توسيع رقعة “ارض اسرائيل” نحو الأردن واجزاء من سورية ولبنان. ٥- بسط السيطرة اليهودية العسكرية والاقتصادية على الشرق الأوسط بأسره.
وأضاف التقرير ان بعض القادة الاسرائيليين يعترفون بهذا البرنامج وسبق ان باحوا به في الخفاء الى عدد من الرسميين الأميركيين. ومن اللافت للنظر ان هذا الهدف الاستراتيجي الصهيوني التوسعي سبق وورد على لسان الزعيم الصهيوني تيودور هيرتزل العام 1898، وذلك حينما استفسر منه القيصر الألماني ولهلم الثاني اثناء لقائهما في الاستانة، عن مساحة وحدود الأرض التي تطالب بها الحركة الصهيونية لإقامة دولتها عليها، كي ينقلها القيصر الى مسامع السلطان العثماني عبدالحميد الثاني في لقائهما المرتقب، فكان رد هرتزل – كما ورد في مذكراته – بأن مطلب الحركة الصهيونية في هذه المرحلة يقتصر على فلسطين بحدودها الجغرافية الحالية، أما بالنسبة للحدود النهائية للدولة اليهودية التي تسعى الحركة الصهيونية للوصول اليها، فانها ستمتد تدريجيا لتشمل المنطقة الواقعة بين نهري النيل والفرات متضمنة المنطقة الواقعة شمال غرب الجزيرة العربية بما فيها ” نافذة على الخليج”.
وهذا يفسر التجاهل الاسرائيلي لأي إشارة رسمية علنية الى الحدود النهائية للدولة اليهودية اذ ان غالبية الزعماء الصهاينة كانوا من دعاة رسم الحدود بقوة السلاح بحيث تتغير كلما ازدادت دولتهم توسعا.
وقد استخدم الصهاينة سلاح الهولوكوست (المحرقة) للتأثير على اكبر عدد ممكن من مندوبي الدول الأعضاء المشاركين في مناقشات الجمعية العامة وذلك من اجل تأكيد “حقهم” في إقامة دولتهم في فلسطين. وأصر الصهاينة على ان أي إقرار بالمحرقة هو إقرار بحق “اسرائيل” في الوجود، وبالتالي، فان الربط بين المحرقة وإقامة دولة “اسرائيل” اصبح لدى الصهيونية أمر مقدس كما هو واضح في “اعلان إقامة الدولة “حيث جاء فيه: “… اثبتت المحرقة التي ارتكبت بحق شعب اسرائيل مؤخرا … ضرورة العثور على حل لمشكلة الشعب اليهودي الذي يفتقر الى الوطن والاستقلال …. هذا الحل هو … إقامة الدولة اليهودية”.
وعمل الصهاينة على ترسيخ “عقدة الذنب “في ضمير المجتمع العالمي بحجة تقاعسه عن مد يد العون الى اليهود لإنقاذهم من اضطهاد النازيين، وقاموا بتوجيه الاتهامات للدول الأوروبية وخاصة بريطانيا بأنها تواطأت وشاركت في “الجريمة “التي تعرض لها اليهود نتيجة وضعها العراقيل في وجه المهاجرين اليهود وعدم سماحها لهم بالوصول الى فلسطين قبيل الحرب. وهكذا تولدت قناعة لدى العديد من دول العالم بان قيام الدولة اليهودية سيساهم بطريقة عملية في تحرير ضمير العالم من عقدة الذنب تجاه اليهود وسيجعل هذه الدول تقتنع بانهم بانهم يستحقون كيانا مستقلا يلبي طموحاتهم ويوفر لهم الحماية من التعرض لمزيد من “المعاناة” كتلك التي تعرضوا لها على يد النازيين.
اما بالنسبة للجانب العربي الذي كانت تمثله الهيئة العربية العليا، فانها أعلنت رفضها التام لقرار التقسيم وساندتها في ذلك دول الجامعة العربية التي أعلنت استعدادها لمقاومته بشتى الوسائل. وقد استغل الصهاينة مقاومة العرب الشديدة لقرار التقسيم الذي حرمهم بجرة قلم من 57 % من وطنهم. فقاموا بدعم عسكري ولوجستي لا حدود له سواء كان من السوفييت او الأميركيين وذلك بتجاوز ما خصص لهم ضمن قرار التقسيم، وقاموا باحتلال اكثر ما خصص للعرب أيضا، وذلك في أعقاب القتال الذي دار بين الطرفين العام 1948، ثم ما لبثوا ان أعلنوا فيما بعد رفضهم النهائي لقرار التقسيم.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار