مقالات

السبب الرئيسي والحلقة المفقودة

بقلم – محمد عبد الجبار الشبوط:
قبل ايام قليلة كتبت مقالين، احدهما بعنوان: السبب الرئيسي في فشل الدولة العراقية؛ والثاني بعنوان: الحلقة المفقودة.
السبب الرئيس هو الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة (الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل). وهذا ليس تفسيرا بالعامل الواحد، لان الخلل الحاد يشمل كل مظاهر الحياة في المجتمع، السياسية والاقتصادية والتربوية والدينية وغيرها. وبالتالي فهو يشمل مختلف العوامل الاحادية الاخرى كالعامل السياسي والعامل الاقتصادي والعامل الديني والعامل التربوي وغير ذلك.
وعدم القدرة على تفسير الفشل بهذا العامل الشامل انما هو خلل في التشخيص سوف ينتج عنه خلل في تشخيص العلاج. لان عدم معرفة السبب تمنع من رؤية العلاج. وهذا هو الخلل الدي وقعت فيه جميع او معظم الاحزاب السياسية التي نشأت في العراق بعد تأسيس دولته المعاصرة في مطلع القرن الماضي، وكذلك الدعوات التي نادت بالإصلاح في تظاهرات تشرين الاحتجاجية في عام ٢٠١٩.
اما الحلقة المفقودة في الجهود الاصلاحية فهي عدم بلورة المركب الحضاري ومنظومة القيم القادرة على معالجة السبب الرئيسي للفشل، اي الخلل الحاد في المركب الحضاري. وعلى كثرة الاحزاب والاشخاص الذين رفعوا راية الاصلاح، فان اي احد منهم لم يشر الى ضرورة المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به، باستثناء السيد محمد باقر الصدر الذي قال ان معالجة التخلف وتحقيق النهضة بحاجة الى مركب حضاري قادر على تفجير طاقات المجتمع باتجاه النهضة. وهذا يعني ان الجهود الاصلاحية لم تتمكن من كتابة الوصفة العلاجية المطلوبة لمعالجة المشكلة التي يعاني منها المجتمع العراقي، وبذا بقي المجتمع يدور حول مشاكله على الاقل منذ عام ١٩٥٨ والى الان.
ولمعالجة هذا النقص الكبير في الجهود العلاجية اقترحتُ فكرة الدولة الحضارية الحديثة كعنوان للمركب الحضاري القادر على معالجة المشكلة. والدولة الحضارية هي الاطار العام الذي تتم ضمنه حركة عناصر المركب الحضاري في ضوء منظومة القيم العليا الحافة بهذه العناصر. ولتوضيح الصورة بينت مرارا وتكرارا الاسس الخمسة التي تقوم عليها الدولة الحضارية الحديثة وهي: المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. وهذه العناصر تمثل مكونات ingredients الوصفة العلاجية او الدواء الذي يتعين على المجتمع العراقي تناوله بصورة مدروسة لمعالجة الخلل الحاد والقضاء على الفساد والتخلف.
وبذا تتكامل الفكرة على النحو التالي:
اولا، السبب الرئيسي لفشل الدولة العراقية: الخلل الحاد في المركب الحضاري.
ثانيا، الحلقة المفقودة في محاولات الاصلاح ومعالجة الفشل: المركب الحضاري والقيم العليا الحافة بعناصره الخمسة.
ثالثا، المركب الحضاري القادر على معالجة الخلل الحاد وملء الفراغ في الدعوات الاصلاحية: الدولة الحضارية الحديثة.
وبعد اكتمال عناصر الرؤية، يأتي دور الاقلية المبدعة في ترويج هذا النوع من الوعي الحضاري لطبيعة الازمة او المشكلة العراقية. والاقلية المبدعة هي مجموعة المفكرين والعلماء والاساتذة والكتاب والاعلاميين والفنانين الذين يشتركون في امتلاك هذه الرؤية. وتقع على عاتقهم مسؤولية زرع بذور النهضة الحضارية في المجتمع المتخلف وتوجيه الحراك الاجتماعي صوب فكرة الدولة الحضارية الحديثة باعتبارها الوصفة العلاجية الكاملة من حيث المكونات.
كما تقع على عاتق المواطنين الفعالين مهمة التحرك الميداني على الارض لتحقيق هذا العلاج. وميزة المواطنين الفعّالين انهم يملكون الكمية اللازمة من الامل والتفاؤل والشعور بالمسؤولية والقدرة على العمل والتأثير. وهم في اغلبهم من الشباب من الطلاب في المرحلة الثانوية والجامعية والخريجين الجدد. وهم يمثلون القوة التغييرية والطاقة الحرارية القادرة على تحريك المجتمع بالاتجاه الصحيح. وينبغي عدم هدر هذه القوة التغييرية واستنزافها واشغالها في اعمال غير منتجة للهدف.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار