مقالات

علاقة الانسان باخيه الانسان

محمد عبد الجبار الشبوط:
من الضروري ان يدرك افراد المجتمع الواحد ان اقامة العلاقات بينهم على اسس سليمة صالحة من شروط ومتطلبات اقامة المجتمع الصالح والدولة الحضارية الحديثة. ان المجتمع، كما يقول جون راولز (١٩٢١-٢٠٠٢)، عبارة عن نظام منصف للتعاون بين افراد احرار متساوين. وبخلافة ينحدر المجتمع الى حالة بدائية متوحشة كالتي سبقت ظهور الحياة المدنية، او ما يسميه هوبز (١٥٨٨-١٦٧٩) في كتابه الشهير Leviathan بحالة الطبيعة حيث «حرب الكل ضد كل»، مقدما وصفا مرعبا لهذه الحالة حيث يتعذر اقامة المجتمع بسبب تعذر توفير مستلزماته مثل الصناعة، والتجارة، والاعمار، ووسائل التنقل، والبناء، والمعرفة، وحساب الزمن، وكل مظاهر ومقومات البناء الحضاري الاخرى.
وفي تحليل هذه الحالة بالعودة الى تفسير محمد باقر الصدر للاية القرانية “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”، نجد ان المجتمع البشري يتألف من ثلاثة عناصر اساسية: الناس
و الارض و شبكة العلاقات التي تربط عنصري المجتمع الاساسيين الانسان والطبيعة على محورين: محور علاقة الانسان باخيه الانسان (العلاقات الاجتماعية)، ومحور علاقة الانسان بالطبيعة (العلاقات الطبيعية).
ولا نحتاج الى كثير مؤنة لنعرف ان المجتمع يتقدم ويحقق السعادة لافراده حين تقام شبكة العلاقات الاجتماعية على اسس صحيحة وسليمة تحددها منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. ومنها: العدالة والحرية والمساواة والتعاون والايثار والتعايش والقبول بالاخر واحترام خصرصياته الفردية والثقافية الخ. وثمة علاقة جدلية، اي علاقة تأثير متبادل بين العلاقات الاجتماعية والعلاقات الطبيعية، سلبا او ايجابا.
و حين يحصل الخلل الحاد في منظومة القيم العليا، لاي سبب كان، وينعدم العدل والمساواة والتعايش وغير ذلك، تختل العلاقة بين الانسان واخيه الانسان، ويتحول ابناء المجتمع الى وحوش كاسرة ينهش بعضهم لحم البعض الاخر وسمعته وخصوصيته. وهذا ما يحصل في المجتمعات المتخلفة. وقد حذر القران من الوقوع في هذا المطب بقوله:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا.ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ؟ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ، إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”.
بل نستطيع ان نقول، وبناء على منهجية #الفهم_الحضاري للقران، ان القران سعى الى بناء منظومة القيم الحاكمة للعلاقات بين الانسان واخيه الانسان على اسس حضارية سليمة تتكفل ببناء مواطن صالح فعّال ومجتمع حضاري عادل ومنتج. ونجد هذا في كثير من ايات القران مثل:
“وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”.
وغير ذلك كثير.
واذا كان للمجتمع في عصر التقدم في تكنولوجيا المعلومات وجودان: افتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقليدي في ارض الواقع، فاننا يمكن ان نلاحظ باسى ان العلاقات بين الناس في المجتمع الافتراضي العراقي ليست قائمة على الاسس السليمة التي تحدثنا عنها. واكبر الخشية ان يكون الافتراضي انعكاسا وامتدادا للتقليدي الواقعي.
ان مواقع التواصل الاجتماعي تشهد الكثير من الظواهر السلبية والممارسات السليمة التي لا يقوم بها افراد مجتمع واحد متحضر، بل هي تعيدنا الى حالة التوحش والهمجية حيث حرب الكل ضد الكل بدون وجه حق وانصاف.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار