المحلية

اصلاح الديمقراطية يبدأ من التربية

محمد عبد الجبار الشبوط..

اشرت في مقال سابق الى ان الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن ربط بين اصلاح الديمقراطية وبين النظام التعليمي والتربوي. وقال في مقال نشره في عدد شهر اذار/ نيسان ٢٠٢٠ لمجلة “فورين افيرز”: “إن قدرة الولايات المتحدة على أن تكون قوة من أجل التقدم في العالم وتعبئة العمل الجماعي تبدأ في الداخل. لهذا السبب سأعيد تشكيل نظامنا التعليمي بحيث لا يتم تحديد فرصة الطفل في الحياة من خلال الرمز البريدي أو العرق”.
وليس بايدن اول من ربط بين المجتمع واحدى ظواهره من جهة، وبين النظام التربوي والتعليمي من جهة ثانية. فقد سبقه الى ذلك مفكرون عظام مثل افلاطون وارسطو، كما اخذت الثورة الفرنسية بهذه الفكرة عملا بطروحات جان جاك روسو في هذا المجال. وبعد سقوط النظام الصدامي المتخلف حضاريا، كان من اوائل الافكار التي طرحتُها فكرة النظام التربوي الحضاري الحديث الذي يتعين على المدارس العراقية الاخذ به. وخلاصة الفكرة ان الاصلاح السياسي والتغيير الاجتماعي وبناء الدولة الحضارية الحديثة يبدأ في المدرسة. وفي العراق يقضي الطفل ١٢ عاما من عمره في المدرسة. وعليه فان على المدرسة ان تتولى تربيته على مدى ١٢ عاما ليتخرج منها، بعد اكمال الدراسة الثانوية، وقد اصبح مواطنا فعالا حضاريا. ولو تم الاخذ بهذه الفكرة منذ عام ٢٠٠٤، فهذا يعني ان المجتمع العراقي كان سيستقبل اربع دفعات حتى الان من الشباب الذي تلقى تربية حضارية حديثة في اعوام ٢٠١٦، ٢٠١٧، ٢٠١٨، ٢٠١٩ وهكذا. وبحلول عام ٢٠٣٠ كنا سنجد مجتمعا عراقيا من نوع جديد بعد حوالي ١٦ دورة دراسية. وكان سيكون بمقدورنا ان نتوقع ان تكون انتخابات عام ٢٠٣٠ انتخابات نموذجية من حيث غلبة المفاهيم التي تقام بموجبها الدولة الحضارية الحديثة وفي مقدمتها المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات والعلم الحديث.
لكن شيئا من هذا لم يحدث طيلة السنوات ال١٧ سنة الماضية، بل تولى وزارة التربية اشخاص لا يملكون رؤية حضارية حديثة للعملية التربوية. وتولى رئاسة الحكومة ستة اشخاص لم يخطر ببالهم موضوع الاصلاح التربوي. وحين تنادى بعض الاشخاص والجماعات الى الاصلاح ومحاربة الفساد لم تكن العملية التربوية باوفر حظا معهم. وبقيت هذه المسألة اخر ما يفكر به القوم، إنْ فكروا بها اصلا. وحينما خرجت الى الشارع الاعداد الغفيرة من المواطنين المحتجين تلقت العملية التربوية ضربات قاتلة على اصحاب الشعار المدمر “ماكو وطن ماكو دوام” ولم يكونوا ليفقهوا ان الوطن يبنى بالدوام المدرسي، وان الوطن يسترجع بالدوام المدرسي.
١٧ عاما ذهبت سدى بالمعيار التربوي. لكني مع ذلك اقول لم يفت الوقت. بامكاننا دائما ان نطلق مشروع الاصلاح التربوي ذي ال ١٢ عاما. وبامكان اي رئيس حكومة ان يطلق المشروع من خلال تشكيل اللجنة الدائمة او المجلس الدائم للتربية الذي يأخذ على عاتقه قيادة مشروع الاصلاح التربوي الذي سيكون القاعدة الاساسية لاصلاح الدولة وتغيير المجتمع وفق رؤية حضارية حديثة. تتولى “اللجنة الدائمة” مسؤولية محتوى الاصلاح التربوي، على ان تكون منظومة القيم الحافة بالمركَّب الحضاري وعناصره الخمسة هي محور المحتوى، فيما تتولى وزارة التربية توفير المستلزمات المادية لمشروع الاصلاح التربوي، كالابنية المدرسية، وتأثيثها وتزويدها بالاجهزة اللازمة، وطبع الكتب المدرسية، الخ. وعلى ان تكون عضوية اللجنة طوعية، ودائمية، وان يكون الجهاز الاداري التابع للجنة من موظفي وزارة التربية. وهذا لتجنب الحاجة الى تعيينات جديدة، اوالحاجة الى ميزانية خاصة باللجنة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار