مقالات

الغرب والإسلام ، صِدامٌ أم سلام ؟

بقلم عبدالله ريشاوي:

هناك تفسيرات وتحليلات عدة لمستقبل العلاقة بين الغرب والإسلام، سواء على صعيد العالم، أم داخل المجتمعات الغربية؛ التي تشهد اليوم توتراً في كيفية تنظيم علاقتها بالإسلام والمسلمين.
تختلف الرؤى حول مستقبل العلاقة بين الحضارتين، بدءاً بتنبؤات (صمائيل هنتنكتن)، في حتمية الصراع بين الحضارتين، ودعوات الآخرين إلى الحوار، كدعوة الرئيس الإيراني الأسبق (محمد خاتمي)، الذي دعى إلى حوار الحضارات مقابل صِدام الحضارات، وفكرة (روجية غارودي) عن إمكانية الحوار والتعايش بين الحضارات المختلفة، بدل الصدام، ومشروعه في الجمع بين الحضارات المختلفة على مستوى الكرة الأرضية.

جبهة الدعوة إلى الحوار والتفاهم والتعايش بين الغرب والإسلام جبهة عريضة، دعى ويدعو إليها أكثر من قائد، ومعظم المثقفين، ويتوقعها كثير من المحللين والمراقبين،كما ويتمناها ويتلذذ بها السّوادُ الأعظمُ من الناس الأبرياء وأصحاب النفوس الطيبة، من كلا الجانبين، خاصة ممن يعيشون في الغرب من الجالية المُسلمة، التي لا يَهمها أمر (الإسلام) كثيراً، بقدر ما يهمها العيش بسلام ورفاهية في ظل الأنظمة الغربية.

ولكن، ورغم هذه الجبهة العريضة، والكثرة العددية، في الجهة الداعية إلى الحوار والتعايش بين الغرب والإسلام، إلا أن هذه الميزة لا تعطيها القوة الكافية لرسم العلاقة المستقبلية بين الطرفين.. بل اِنَّ كل هذه التمنيات والتوقعات والآمال مُهدد وبقوة من الطرف الثاني؛ الطرف الذي يَتوقعُ الصِدام، ويراه نتيجة حتمية بين طَرفين يتنازعان على نفس الأرضية، وبنفس الوسائل، كما نراه في الحالة الإسلامية اليوم في الغرب.

طرف لا تحرّكه المايكروهات الآيديولجية والنزعات الشعبوية فحسب، بل وتسانده – وبشكل كبير – حركة التاريخ، والوقائع على الأرض، وطبيعة البشر، وما يدورُ يومياً في المجتمعات الغربية، التي أثقل كاهلها وجود هذه الأعداد الهائلة من الجالية العربية والإسلامية، والتي تتزايد يومياً، ولا تنقُص.
حقاً لقد أصبح الإسلام مشكلة في الغرب، لأن المسلم وإن جاء كلاجئ، أو كضيف، ولكنه أصبح اليوم يُنافس صاحبَ الدارِ دارَه.. والسؤال هنا دائماً: هل يستطيع الغرب تحمُّلَ بروز الإسلام كقوة مجتمعية سياسية في داخله، كما تحمَّله في البدء كلاجئ غريب يطلب الإذن، ويحتمي بالديمقراطية ومنظومة الحقوق في المجتمع الغربي؟.

الإسلام اليوم في الغرب أصبح واقعاً وقوة اجتماعية سياسية، لا يتمتع بالخصوصية والحقوق فحسب، بل يتطور يومياً ويزحف داخل تلك المجتمعات، ويدعو الآخرين إلى التمسك به، والدخول فيه.. فكلنا نعرف أن الإسلام دين تبشيري، لا يكتفي بعدد معين من المنتمين، كما اليهودية، وأقليات دينية، ولا يكتفي بالحفاظ على نفسه، والإبقاء على خصوصياته، بل يدعو الجميع – من كل الأجناس والأعراق – إلى الدخول فيه، والتمسك بتعاليمه، أي كنواة في حالة تفشٍ وتزايد، فطبيعي أن تولِّدَ هذه الحالة والسجية، الخوف عندالغربي. لذا فالمتسامحُ منهم يرى في الاندماج حلاً، والمتطرّف يرى الحلَّ في طردِ وإجهاض هذا الكائن، قبل أن يكبُر ويعيش.

إذن، فالوقائع والحقائق على الأرض ترجّح كفة التنبؤات السيئة التي ترى حتمية الصراع بين الغرب والإسلام، وها نحن نرى بدايات هذا الصراع داخل المجتمع الغربي من خلال أحداث طارئة تهدّد المسلمين، وبروز اليمين المتطرف الغربي، الذي يواجه الظاهرة الإسلامية مباشرة، وبدون تردد ودبلوماسية، ويدعو إلى طرد الجالية المسلمة من البلاد علناً.

هذه الوقائع والحقائق اليومية، وإنْ كانت في بداياتها، ونادرة، ويُنظر اليها كحالة طارئة، وغير أصيلة، إلا أنها تتمتع بقوة ذاتية دايناميكية تمشي مع الأحداث وتنتصر على كل خطابات التسامح ودعوات الحوار وقبول الآخر في الغرب.

المشكلة في الغرب اليوم ليست بين الإسلام وصاحب الدار فقط، بل ها قد اتّخذ الصراع منحى آخر، وهو صراع داخلي بين اليمين المتطرف الذي يتغذى بهذا الصراع، وبين الأحزاب الأخرى التي ترى في اليمين المتطرف خطراً على الديمقراطية الغربية.. ولكن المشكلة أن اليمين المتطرف سوف يجلب انتباه المواطن الاوروبي يوماً بعد يوم، حيث إن هذا المواطن يرى ويحسّ يومياً بروز الإسلام كقوة مجتمعية سياسية حضارية تنافسه في موطنه، وهذا ما يولِّد الخوف لديه، ولربّما يرى في الحلول المتطرفة الراديكالية لليمين مخرجاً له من هذا الخوف.

أما دعوات السلام والحوارفسوف تبقى، ولكنها سوف تصطدم بواقع هذا الصراع، التي سوف تكون عواقبه على الأرض أكثر تأثيراً من خطابات السلام ودعوات الوحدة ومواعظ الرحمة والإنسانية.

🛑 ملاحظة : ان كل ما ينشر من مقالات تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعتبر من سياسة الوكالة، وحق الرد مكفول.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار