مقالات

خصائص الرؤية الحضارية

محمد عبد الجبار الشبرط:

تمتاز “الرؤية الحضارية للمشكلات وللحلول” بعدد من الصفات والخصائص بعضها ما يلي:
اولا، تنطلق الرؤية الحضارية من فهم المركب الحضاري وعناصره وقيمه العليا.المركب الحضاري هو معادلة اشتغال المجتمع التي تتحكم بانتاجيته. المجتمع كيان منتج ومستهلك في ان معا. المركب الحضاري يضبط حركة المجتمع في الدائرة الانتاجية والاستهلاكية معا. واما عناصر المركّب الحضاري فهي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. واما منظومة القيم فهي مؤشرات السلوك في دائرتي الانتاج والاستهلاك. الانطلاق من المركب الحضاري يوفر فهما عميقا لمشكلات المجتمع، وحلولا جذريةً لها.
ثانيا، تقدم الرؤية الحضارية فهما اتصاليا لمشكلات المجتمع وحلولها وليس فهما انفصاليا. مشكلات المجتمع السياسية والاقتصادية وغيرها مترابطة فيما بينها، وينبع ترابطها من اشتراكها في الاصل والمنطلق وهو المركب الحضاري. وهذه الفهم يفتح الذهن امام التفكير والتخطيط المتكامل للحلول، ويحفظ الذهن من الانزلاق الى الحلول الترقيعية او الموضعية.
ثالثا، توفر الرؤية الحضارية الارضية المشتركة لحلول المشكلات بمدياتها الثلاثة وهي: المدى القريب، المدى المتوسط، المدى البعيد. ان من شروط نجاح الحلول في هذه المديات ترابطها العضوي فيما بينها. فالحل بعيد المدى يعتمد على ما انجازه على المدى المتوسط، والمدى المترسط يعتمد على ما انجازه على المدى القريبة. وبهذا نضمن الرؤية الستراتيجية للحلول، كما نضمن التكامل فيما بينها.
رابعا، وبناء على ما تقدم، فان الرؤية الحضارية تنتج وعيا سياسيا عميقا للمجتمع، تمييزا له عن الوعي السطحي. وغني عن البيان ان الوعي العميق من ضمانات التوصل الى حلول صائبة للمشكلات القائمة. كما لابد لي ان اذكر انني استعير مصطلح “الوعي السياسي العميق” من السيد محمد باقر الصدر الذي استخدمه في كتابه “فلسفتنا” الذي صدر في عام ١٩٥٩. كما لابد لي ان اؤكد ان الوعي السياسي العميق من ضمانات نجاح الحركات الاصلاحية في المجتمع.
خامسا، تؤكد الرؤية الحضارية لمشكلات المجتمع وحلولها ان المعالجات تبدا بالانسان. فالانسان هو العنصر الاول والحاكم في المركّب الحضاري. وهو صاحب المصلحة في الاصلاح، والعامل الرئيس فيه، كما هو العامل الاساس في الافساد. وهذا ما نفهمه من الايتين القرانيتين التاليتين: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ”، “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ”. وحين نقول “الانسان” فاننا نقصد به العضو العادي في المجتمع (المواطن، المحكوم)، كما نقصد به العضو الفاعل في الجهاز التنفيذي للدولة (الموظف الحكومي)، كما نقصد بع العضو في الجهاز الحاكم (السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية). ولهذا، يجب ان تتضمن كل الخطط والبرامج الاصلاحية بندا خاصا بالانسان ودوره في تنفيذ وتحقيق وانجاز هذه الخطط، وكيفية ادماجه بها بطريقة سليمة منتجة ضامنة للنجاح.
سادسا، ولهذا تتضمن الرؤية الحضارية للاصلاح بندا دائما عن النظام التربوي؛ ذلك ان الحلول الستراتيجية بعيدة المدى لكل مشكلات المجتمع تتعلق اولا واخيرا بالمواطن. ولابد ان تاخذ الدولة على عاتقها مهمة اعداد الفرد وتربيته وتأهيله ليكون مواطنا صالحا، فعالا. وهذا يتم، كما في كل دول العالم منذ ظهور اول دولة على الارض، في المدرسة. فالفرد يمضي ١٢ سنة من عمره بين جدران المدرسة، وتحت اشراف المعلمين والمدرسين. هنا يتم انتاج المجتمع الصالح وهنا يتم بناء الدولة الحضارية الحديثة. ولا يحدث ذلك دون نظام تربوي حضاري قادر على تحقيق هذه المهمة الصعبة. وهذا ما اهملته الطبقة الحاكمة في العراق منذ قيام الدولة العراقية الحديثة. وكنت آمل ان يتحقق ذلك بعد عام ٢٠٠٣، لكن للاسف لم يتم ذلك.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار