الثقافية

قراءة نقدية في “عبق البلقان” للاديب الشاعر زهير البدري

بقلم الصحفي يحيى نقي:

قبل أيام وفي صباحٍ بهيج زارني الصديق العزيز الاديب الشاعر الأستاذ زهير البدري “أبو سامر” رئيس رابطة دجلة الأدبية بمدينتي الحبيبة واسط حاملًا معه منجزه الإبداعي الجديد عبق “البلقان” الذي صدر مؤخرًا عن دار ليندا للطباعة والنشر والتوزيع السورية وهو المنجز السابع بعد مجموعاته الشعرية (اننا معًا، طقوس صوفية، حوار مع صديقي المتوسط ،سأموت واقفًا ،ليل تشريني مشرق،إضافة الى كتاب “اليساري” الذي ضمّنه مذكراته الشخصية).
ولعله كان يعلم بمدى ولعي وشغفي بقراءة تلك الكتب القيمة التي تنقلني الى عالم معرفي واسع وتحيطني بهالة من المعلومات الممتعة والمفيدة عن شعوب العالم.

“عبق البلقان” من اهم كتب أدب الرحلات التي صدرت حديثًا ، حيث انه يقدم لنا عبر اكثر من 334 صفحة من القطع الوسط مسحًا شاملًا ومشاهدات رائعة وذكريات جميلة عن الدول التي زارها المؤلف برحلاته الشيقة قبل أكثر من أربعين عامًا تلك المذكرات التي مازالت عالقة بذاكرته مع انه على أبواب السبعين من عمره وان معظم الأماكن والشخوص قد تغيرت بتقادم الزمن.
تلك الرحلات التي ما عادت سهلة المنال للجيل الجديد حيث حالت ظروف عديدة دون تحقيق ذلك .
ما شد انتباهي فيه الاهداء الجميل الذي ذيل به منجزه حيث يقول:
“الى كل من يتخذ الانسانية والسلم والمحبة طريقًا في الحياة، الى الانسان في كل مكان ابقَ على تواصل مع اخيك الانسان فقد اكتشفتُ انك قد تجد هناك من تحتاج اليه او يحتاج اليك لاشاعة السعادة في الكون ، وحينها ستشعر بانك انسان تحمل دفء شرف الانسانية وان لك شركاء في اقطاب الارض كلها يتوقون مثلك الى اللقاء بك والتعرف عليك”.
كذلك المقدمة الرائعة التي اضافت للكتاب رونقًا وبهاءً كيف لا!؟ وهي بخط الأخ والجار العزيز الدكتور صالح الطائي،الذي استطاع بحنكته المعهورة ان ينقلنا الى تفاصيل الكتاب ومحطاته الجميلة قبل الاطلاع عليها .
في “عبق البلقان” ينقلنا المؤلف من هور المصندك بمدينة العمارة العراقية وهي محطته الاولى وهو بريعان شبابه الى شرق أوروبا حيث سحر الشرق وبوابته الى الغرب تركيا لينقل لنا مشاهداته الجميلة عن متحف أيا صوفيا وجامع السلطان احمد وشارع الاستقلال وجامع العرب وبرج غلاطة وميدان تقسيم ومتحف الآثار وجزيرة الاميرات.
ثم يدلف بنا الى دول المعسكر الاشتراكي بدءا ببلغاريا التي يصفها انها حديقة اوروبا ليأخذنا معه حيث الجمال والمتعة الى ضريح ديمتروف وكنيسة القديسة صوفيا وكنيسة بويانا والمتحف الوطني ليتجه بعد ذلك الى عروس البحر الأسود فارنا حيث المتحف الاثري والحديقة البحرية ودار الاوبرا بتلك المدينة الباذخة بالجمال والسحر والدهشة.
ثم ينقلنا بمحطته الرابعة الى رومانيا حيث العاصمة بوخارست والمتحف الوطني والمتحف الحربي ومتحف التاريخ الطبيعي ثم الى مدينة الرقي والبهاء تيميشوارا وميدانها الجميل وساحة النصر.
ومنها الى يوغوسلافيا حيث الإرث والتاريخ والحضارة ، لينقل لنا مشاهداته عن بلغراد وقلعتها الجميلة وبيت الزهور وساحة الجمهورية والمتحف الوطني والقصر الملكي ثم الى مدينة زغرب الرائعة.
ومنها الى المحطة السادسة التي كانت حافلة بالمتعة والمفاجآت انها المجر “هنغاريا” بعاصمتها البديعة بودابست وقلعة بودا والمتحف الوطني ثم الى مارغريت جزيرة الاحلام وقصر فيشرمان وبحيرة بلاتون ،ومنها الى مدينة ديبرسن ثاني مدن المجر ومدينة نييريجيهار ،وكاست مدينة الكهوف.
لينقلنا بعدها الى براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا بساحتها وساعتها وقلعتها وجسورها الجميلة كجسري كارل وتشارلز وبرج بترين هيل وقرية بيرون وقصر بريمات وبوابة مايكل.
ليختتم كتابه الانيق بمحطته الثامنة والأخيرة ببولندا حيث العاصمة البهية وارشو بحصنها وقصرها الملكي وميناء غدانسك على البلطيق وبلدة سوبوت وكراكوف العاصمة القديمة وكنيسة ماري وكاتدرائية فافل وقلعتها وحصنها.
تميز البدري بحياديته التامة بنقل الوقائع والمشاهدات لدول ينتمي اليها ايدلوجيًا حيث انه رجل يساري ومع تعاطفه التام مع شعوب تلك الدول الا انه وجد فارقًا ملموسًا بين تلك الشعوب التي يحكمها الحزب الواحد والشعوب الأوروبية التي تتمتع بشيء من الديموقراطية.

وتساءل بكتابه:
“….والاً كيف انهارت كل هذه الدول في الكتلة الاشتراكية التي تحتل شرق ووسط اوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ولم يصمد نظام واحد من هذه الأنظمة لولا وجود خلل في بنيتها وتحول الأحزاب الحاكمة فيها الى التعامل البيروقراطي ونخر الفساد لبنية تلك الدول!؟”
كذلك كانت لغته سلسة واسلوبه الادبي مميزًا ولم يضمن كتابه شيئًا من الاساطير والخرافات التي تميزت بها رحلات كثيرة لغيره من الرحالة أمثال ابن بطوطة والسيرافي وابن جبير وابن فضلان والمسعودي.
بل قدم لنا وعلى طبق من ذهب معلومات وفيرة وغنية عن عادات الشعوب واخلاقها وطرق معيشتها وكيفية تعاملها مع بعضها البعض ومع ضيوفها من السياح او طالبي العلم.
ولكي يكون الرحالة ناجحًا وموفقًا بنقل مشاهداته الحية عليه ألاً يتخلى عن القلم والقرطاس والكاميرا كي تأتي مشاهداته موفقة لا يربو اليها شك ولايعتريها ادنى ريب وهكذا كان البدري حيث لم يتخل أبدًا عن أدوات الرحلة منذ انطلاقته الأولى.
تمتع البدري بإصرار عجيب على اكمال رحلاته رغم كل الصعوبات والمعوقات التي اعترت طريقه واستخدم كل الوسائل المتاحة في التنقل كالحافلات والقطارات والطائرات والبواخر وقام برحلات طويلة عبر البر كانت اشبه برحلات السندباد المذكورة في الحكايات والقصص الأسطورية.
ومما ساعده كثيرًا على اتمام مهمته ونقل صورة دقيقة وواضحة وجلية للقارئ عن تقاليد الشعوب وعاداتها ، المامه باللغة الانجليزية حيث يقول بهذا الخصوص:
” لقد اتاحت لي اجادتي للغة الانجليزية الكثير من الفرص للتعرف على الكثير من الناس وكذلك الوصول الى الكثير من الاماكن كونها اللغة الاكثر تداولًا في بلدان العالم المختلفة”
يقول البدري :
ادركت ان مغادرة السكون والرتابة والعمل الروتيني الممل يتيح للإنسان الكثير من سبل المعرفة ويمده بالكثير من الطاقة فها انا ذا أرى كل الدول التي زرتها والتي توزعت في شرق وغرب المتوسط وجنوب شرق اسيا وافريقيا كشريط سينمائي جميل ومتعدد الألوان والاطياف يحمل اجمل ذكريات العمر الذي رحل ولم يبق منه سوى عبق السنين”.
وأخيرًا يمكن القول أن كتاب:«عبق البلقان» يمثل إضافة مهمة للمكتبة العراقية بل والعربية كذلك في ميدان ادب الرحلات ، وأهم ما ميزه تلك الصور الجميلة لحياة الشعوب،والأمثلة الوفيرة،واللغة الراقية الأنيقة،وفي نظري أنه يمثل بداية حقيقية لازدهار هذا الادب الجميل.
ابارك من القلب لصديقي العزيز منجزه الرائع واشد على يديه واتمنى عليه ان يتحفنا بمشاهدات جميلة اخرى فمازالت في العمر بقية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار