مقالات

من سرق الاهداف الاصلاحية؟

محمد عبد الجبار الشبوط:

اعتز باني كنت من اوائل من سلط الضوء على انحراف العملية السياسية عن المسار الديمقراطي منذ تشكيل مجلس الحكم في ١٢ تموز عام ٢٠٠٣، بسبب المحاصصة، والتوافقية، وما سمي بالتوازن الوطني، والاستحقاق الانتخابي، والقائمة المغلقة، والدستور الملغوم الذي لم اصوت عليه بنعم. وافتخر باني كنت من اوائل من دعا الى اصلاح العملية السياسية في مقالاتي في جرائد “الصباح” و”العالم” و”كل الاخبار” و”البينة الجديدة” و “الاسبوعية” مما قد يتجاوز عددها الستة الاف مقال. ولتجنب الوقوع باي سوء فهم فانني احدد الاصلاح المطلوب بما كان باتجاه الدولة الحضارية الحديثة لا غير.
وحين خرجت تظاهرات تشرين عام ٢٠١٩ كنت من الذين ايدوا الاهداف الاصلاحية التي نادى بها الشباب، لانها اهداف مطلوبة لذاتها بغض النظر عن التظاهرات وليست “مطاليب المتظاهرين” خاصة، ودعمتها المرجعية الدينية العليا، منذ خطابها الاول في ٤ تشرين الاول من ذلك العام، كما اكدتها في بيانها الاخير. ولكن بعد سنة من تلك التظاهرات اسجل الملاحظات التالية:
الملاحظة الاولى، ان المتظاهرين رفعوا بعض الشعارات الخاطئة بنظري، والتي تعبر عن رد فعل متطرف لسوء الاوضاع والفساد، الامر الذي خفف التركيز على الاهداف الاصلاحية الاهم. ان سوء الاوضاع لا يبرر القبول باي بديل ما لم يكن في الاتجاه الصحيح.
الملاحظة الثانية، تمكنت جماعات منحرفة من الاندساس في صفوف المتظاهرين والقيام باعمال وممارسات سيئة اساءت الى سمعة التظاهرات.
الملاحظة الثالثة، دخول بعض الدول على خط التظاهرات لحرفها واعادة توجيهها ومن ثم استغلالها لخدمة مصالحها الخاصة. وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة التي عملت بجد لاستغلال التظاهرات من اجل تصفية ما تعتبره النفوذ الايراني في العراق. وبالفعل تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق فوز بالنقاط على ايران بوصول مصطفى الكاظمي على منصة رئاسة الحكومة، بطريقة ملتبسة، لتنفيذ اجندتها التي ليس من بين فقراتها اصلاح العملية السياسية، ومحاربة الفساد، وحل المشكلات المالية والاقتصادية التي يعاني منها البلد.
ويتضح صدق هذا التحليل المعلوماتي بالنظر الى النقاط التالية:
اولا، ان مصطفى الكاظمي شخصيا لا يملك مقومات المنصب الذاتية والعلمية، وهو بالاحرى لا يملك تصورا يقربه من فكرة الدولة الحضارية الحديثة.
ثانيا، ان الرجل ظاهرة اعلامية اكثر من كونه رجل دولة وسياسة.
ثالثا، انه لم يطرح ولم يتقبل اية افكار علمية لتحقيق الاصلاح السياسي من جهة، وللخروج من ازمة العراق المالية والاقتصادية من جهة ثانية. اما تحديد موعد الانتخابات المبكرة فليس انجازا بقدر ما هو تحصيل حاصل.
رابعا، ان بعض الاجراءات التي اتخذها تتصف بصفة الشعبوية التي تستهدف كسب تأييد المطالبين بهذه الاجراءات وتسجيل نقاط على غيرهم.
خامسا، لم يظهر من خلال خطبه سيئة الاداء بمظهر المسؤول العراقي الذي يقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين، بل ظهر بوضوح انه منحاز وغير محايد.
سادسا، وجاءت الطامة الاخيرة بالتغييرات التي اجراها في العديد من مناصب الدولة والتي جاءت “مخيبة للامال” كما قال احد النواب، حيث انها اتت مصداقا وتثبيتا للمحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية ولم تشكل خطوة حقيقية للاصلاح السياسي المنشود.
لكل ما تقدم، فلستُ من المستغربين من التعيينات الاخيرة لان فاقد الشىء لا يعطيه. والشىء المطلوب هو الاصلاح، وهذا امر لا يمكن تحقيقه في ظل حكومة تشكلت في السياق الذي ذكرته.
قالت المرجعية قبل سنة “أنّ الاصلاح ضرورةٌ لا محيص منها”، ولكن لا يمكن لمن سرقوا الاهداف الاصلاحية ان يحققوا الاصلاح المطلوب.

ملاحظة : ان كل ما ينشر من مقالات وتقارير تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعتبر من سياسة الوكالة، وحق الرد مكفول.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار