العربي والدوليمقالات

بيروت مدينة مستقلة

حسن. النصار
بيروت مدينة مستقلة. ولكنها لاتمنحك اسرارها بسهولة
هي تختبرك وتختبر تحضرك وخطواتك وقناعاتك   دعك من فكرتك الجاهزة ودعك من الروشة والصخرة والسوليدير وميشيل وساسوكي وحرب الطوائف والسرفيس والبندورة
فبيروت مدينة الاسرار والمصارف والشعر والجمال والحكايات والصحافة الحرة ومدينة الحرب الاولى
في اول زيارة لي لمحت امرأة فاتنة في الشارع ولم اجد ما اقوله لها سوى :
شنو رأيك بالحب من اول نظرة ؟
وجهزت نفسي لردة فعلها
لكنها قالت لي :
جربته …..لذيذ
قبل اعوام وفي معرض بيروت للكتاب استقبلت بيروت ادونيس في حوار عن المرأة والاقليات والتنوع السياسي والاديان
كما استقبلت عددا من مشغلي ومالكي المولدات الاهلية العراقيين الذين يصرفون الفائض من الجباية الاهلية هناك بعد ان يمصون دم الاهالي وصراعهم مع الحر والكهرباء
ولشطارة بيروت في الاعلام والتسويق والثقافة وفي الاغنية وفي انتاج فضاءات سياحة وفي السياسة
كما انها شاطرة في تقديم الجراحة التجميلية والتاتو والفلر ونحت خدود العجائز والصبايا بنفس المهارة   مقابل النفط والكاز ومشتقاته  اقصد من يحول النفط والكاز الى اموال فائضة
 لم اكن انظر لبيروت بعين السائح ..كنت اريد ان اعرف كيف ظلت هذه المدينة عروسا وكيف ظلت ملاذا ومدرسة للوعي والسؤال  وكيف ظلت بكل هذا البهاء رغم كل ماجرى لها
هذه المدينة الصغيرة كيف استقبلت كل هذه الكتل المتحاربة على ارضها ماضيا وكيف اصبحت( الفاكهاني)  بمساحة كم واحد عاصمة تهدد اسرائيل وتقلقها حتى احتلتها عام 82
التفاصيل التي لم اعشها عوضتها بالقراءة …وعوضتها بالسؤال والبحث والتنقيب
ومرة كان الكاتب الكبير زهير الجزائري وهو الذي عاش فصول الحرب الاهلية يسرب لنا ونحن نتجول في ازقة بيروت باتجاه البحر كيف ان المتخاصمين كانوا يتسللون للسينما ويجلسون في ظلام القاعة في فترة الهدنة من الحرب الطويلة والطاحنة ويشاهدون الافلام العارية والمحجبة ويتفاعلون ويصفرون ويبكون ويتاثرون وهم من فصيلين متحاربين  لكنها الحرب …انها الحرب يا أبا سفيان
وللاسف لم اقرأ حتى الان ماكتبه الجزائري عن هذه المرحلة الدقيقة والخطرة من تاريخ لبنان والتي سماها اللبنانيون حرب الاخرين على ارض لبنان

ومرة كنا انا والشاعر حسام السراي ذاهبين للسكن عند اوتيل(ام نزيه )في الجميزة على ما اظن
وسحرنا المكان والهدوء والرقة ولمعان المباني
هذه المنطقة والاشرفية اصبحت اليوم اكثر المناطق تضررا وهي الاقرب لمرفأ بيروت
اظن ان 300الف عائلة الان بلا سكن
عدا عن عشرات المفقودين مازالوا تحت الانقاض ….يا للرعب ويا للهول
الصديقة الشاعرة الدا مزعاني تبكي دما من النبطية وتشهق وتتابع المحنة بدموع حرى ورندا ومروى وعباس بيضون ويحيى جابر وهشام زين الدين يؤبنون مدينتهم العزيزة عليهم  وصوفيا الممثلة البارعة مصابة وابوها ايضا وعدد من العراقيين هناك اتصلت ببعضهم  نجا من نجا واصيب من اصيب
وصديقي نزير رضا الصحفي  اللبناني قال لي قبل قليل ان ماحصل لحظتها خارج كل الايقاعات التفجيرية المعروفة واننا طرنا في الهواء من شدة العصف
وان بيروت عادت الى الوراء سنوات
اصدقاء اصيبوا واخرون يبكون على مدينتهم وماجرى كانه يوم الحشر
في الزيارات القصيرة السابقة كنت المس غياب الفكاهة والمرح ..ابتسامات بنصف شفة على محيا الجميع… والاناقة والاعتداد بالنفس الذي تلمسه على ايقاع الشارع اللبناني تكسره وتتعارض معه المشاهد المسرحية للعروض على مسرح المدينة حيث تجد هنا عمق الازمة المجتمعية التي يبرع مسرحيو لبنان في تقديمها والتي هي اقرب للكباريه السياسي الساخر والساخط مستندين في ذلك الى تراثهم المسرحي الذي كرسه روادهم مثل شوشو والذي هو بدوره متاثر بمسرح موليير وجهود شوشو في لبننة مسرحيات بريخت
في زيارة واحدة او اثنتين تتوهم انك عرفت بيروت واكتشفتها فاذا هي عصية
عصية على الاكتشاف
وعصية على الأذى
ونافرة من القبح
اعرف انها جريحة ومصابة لكن مدينة ساحرة مثلها ستعود وتفتح احضانها من جديد
الرحمة للشهداء
والشفاء للجرحى
والتضامن مع الاهالي هناك

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار