مقالات

الحلبوسي ،، و الفرصةُ العليا لمكافحة الفساد

عبد الحميد الصائح:

القانون، بدون قوة ونوايا مخلصة لاقرارة وجودُه من عدمه سواء ، والدستور بدون التزام الجميع دون استثناء بحيثياته والقوانين المنَظّمة استنادا لأحكامه يعد من الأدبيات المهملة التي لاتاثير لها ، وللاسف كل هذا حصل في العراق ، وجميع ما حصل هو تطبيق انتقائي للدستور حسب المصلحة الحزبية ، او تكييف للقوانين حسب المزاج السلبي ، في تمييز عن المزاج الايجابي الذي يخدم الدولة والمجتمع ويضع المسؤولية امام امتحان الرقابة والتحقق ، ليكون بديلا افضل بكثير من القانون المعطل نفسِه .
ايا كان ذلك فان أحزاب الدولة العراقية بانتماءاتها الحزبية وقومياتها ومؤسساتها اخترقت الدستور وتعالت مراكز النفوذ التي تحكمها على القوانين ذاتها ، ولذلك شاع الفساد وغابت المعايير والقيم وأصبح مصير البلاد تتلاقفه الايدي التي تتغير من الشمال الى اليمين أو التي تدان او تتهم او تبرأ خارج معايير اي قانون او صلاحية دستورية . وعليه فان المتمسكين بالدستور أو القوانين أو سياق الصلاحيات في البلاد يصبحون اليوم عصا في عجلات النوايا المخلصة التي تكيّف القوانين للمصلحة العامة ، او المزاج الاصلاحي اذا لم نقل الثوري في العمل الجاد لانقاذ البلاد أو مفصل من مفاصلها في الاقل ، المقدمة هذه هي جوهر المقال في الحقيقة لكنّ فضْلَ اثارتها هو القرار الجريء الحازم الذي اتخذه رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي بتشكيل لجنة عليا لبحث ملف وزارة الكهرباء من عام 2006 حتى اليوم ، وهو حتى اليوم ياتي بالدرجة الثانية بعد عقود التسلح في درجة الغموض والفساد وابتلاع وضياع حتى الجهود الاصلاحية التي حاول بعض المخلصين اثارتها ، وصمتوا وغضوا الطرف عنها .
لجنة الحلبوسي وأرى أنّ هذه التسمية مناسبة لها ، هي أول لجنة برلمانية ضاغطة ، وهي تَحدّ غير معلن لجميع اللجان والمجالس التي شكلتها مجالس الوزراء لبحث ملفات الفساد . ميزة هذه اللجنة انها لاتستهدف وزيراً بعينه او رئيس وزارء محددا ولا مرحلة دون اخرى ، بل تعني ملف وزارة كاملة خلال ستة عشر عاما ، وهي فترة كافية ليتكشّف فيها كل شيء . تعاقدات الوزارة ومدى مطابقتها للقوانين والتعليمات النافذة ونسب الانجاز المالي والفعلي لكل مشروع وبيان الانحرافات في هذه المشاريع ، وهي خارطة لو طبقت على كل وزارة وانجزت باحتراف لاحدثت ثورة جبّارة في مكافحة الفساد ، ولكشفت عن ديناصورات وحيتان الفساد التي ابتعلت الدولة طيلة الفترة الماضية .
اليوم ، هناك طرفان سيعيقان هذا الانجاز ، طرف يناصب السيد الحلبوسي شخصياً العداء ويستشعر خطر نجاحه ، فيذهب ايما مذهب ليجرده من احقيته كرئيس للبرلمان في عمل ذلك وتكوين لجنة عليا من لجانه التي هي ضمن صلاحياته والتي يئس الشعب سابقا من تاثيرها.
وطرف آخر هو الاقوى ، وهو اخطبوط الفساد الذي حكم البلاد ومازالت رموزه تتضخم بالمال والنفوذ وهي التي ستبدأ بجعل عمل اللجنة مجرد اعلام وسجال على القنوات بدل أن يكون عملا قانونيا وحسابيا مدعوما بقوة ضد نفوذ هؤلاء .
اختم هنا بانني يوما اعددتُ برنامجا تلفزيونيا كبيرا خلال عملي السابق في قناة البغدادية عام 2014 اسمه (سنوات الفشل) . وهو عبارة عن ثلاثين حلقة كل واحدة منها تناولت عقود وميزانيات وزارة من الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة منذ عام 2003 الى ذلك التاريخ ، وكانت النتائج مهوله فعلا ، اصطدمنا بوثائق وعقود ومصروفات وتعيينات وانحراف في الانجازات لامثيل له في اية دولة معاصرة ، وكنتُ حينها ومعي المؤسسة التي اعمل بها نطالب في نهاية كل حلقة مجلس النواب وليست هيئة النزاهة المخترقة ، بان تكون هناك لجنة عليا لمكافحة الفساد في المجلس ، مدعومة من قبل الجيش والداخلية والمجتمع الدولي وليس من قبل الإعلام والقضاء فقط ، وهذه اللجنة تُجري مسحا شاملا لعمل الوزارات كلها. لم يحدث ذلك ، وقد حدث اليوم ، لتكون لدينا لجنة برلمانية عليا اسمّيها (الفرصة العليا لمكافحة الفساد)، من الطبيعي في حال نجاحها ستتبعها لجان اكثر سعة وشمولا وقوة .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار