العربي والدولي

مقايضات ولامبالاة: ما سر العلاقة بين ترامب وأردوغان

متابعة / وكالات..
لم تكن علاقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي دونالد ترامب على أحسن ما يرام بعد سلسلة من الخلافات العميقة التي قوضت مساعي فتح “صفحة جديدة” في العلاقات بين البلدين. فقد ساهمت السياسات المتناقضة لأنقرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تأزيم علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي، فمنذ التدخل العلني في سوريا وتقاسم الأدوار مع الروس والإيرانيين والأميركان، لا تبدو تركيا اليوم قادرة على الخروج من تلك الأزمات من دون دفع ثمن باهظ. ويكشف مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، في هذا السياق، في كتابه الجديد أسرار الاتصالات واللقاءات الثنائية بين ترامب وأردوغان والمساومات الخفية بينهما.

لندن – يسلط جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في كتابه، الذي يثير الكثير من الجدل في الولايات المتحدة، الضوء على العلاقة بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي عمل جاهدا لاستغلال تلك العلاقة لأقصى حد في كسب نقاط في خلافه مع الإدارة الأميركية وتدخلاته المتناقضة في ملفات مختلفة.

وشغل بولتون منصبه في العام 2018 بأوج الأزمة مع أنقرة على خلفية عملية شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400 وتداعيات القضية المرفوعة ضد بنك خلق التركي المتهم بالتحايل على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، إضافة إلى ملفي انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل التركي والتدخل العسكري في سوريا.

ويكشف كتاب بولتون الجديد، الذي يتكون من 592 صفحة تحت اسم “الغرفة التي شهدت الأحداث”، أن الرئيس التركي كان له تأثير كبير على سياسة الولايات المتحدة في سوريا، لكنه لا يخفي عمق الخلافات التركية الأميركية واللامبالاة التي أبداها ترامب تجاه نظيره التركي في قضايا أخرى، إضافة إلى المساومات بينهما.

ويقول المحلل السياسي التركي إلهان تانير إن كتاب بولتون يرسم صورة كانت فيها مكالمات أردوغان المتكررة مع ترامب فعّالة للغاية في جعل الرئيس الأميركي يفعل ما تريده أنقرة على الرغم من أن أردوغان فشل أيضا على عدة جبهات بما في ذلك تسليم رجل الدين فتح الله غولن وكذلك جعل السلطات الأميركية تسقط الاتهامات ضد بنك خلق التركي الحكومي.

أزمة بنك خلق

يقول بولتون، الذي واكب لقاءات ترامب بزعماء وقادة دول العالم لأكثر من العام ونصف العام في منصبه، إن الرئيس الأميركي وعد نظيره التركي بالمساعدة في قضية بنك خلق خلال اجتماع جرى بينهما في الأرجنتين في الأول من ديسمبر 2018.

ويُتهم بنك خلق بخرق العقوبات الأميركية المفروضة على النظام الإيراني بتحويله نحو 20 مليار دولار إلى طهران، إضافة إلى تهديد التحقيقات التي جرت بشأن البنك أردوغان وصهره وزير المالية بيرات البيرق بسبب اتهامات بأنهما استخدما البنك لتحقيق أهداف شخصية.

ويشير بولتون في الصفحة 191 من كتابه، الذي نشر مقتطفات منه موقع “أحوال تركية” إلى أن أردوغان قدم خلال هذا الاجتماع مذكرة من مكتب محاماة بنك خلق والتي لم يفعل ترامب أكثر من تقليبها بين يديه قبل أن يعلن أنه يعتقد أن البنك التركي كان بريئا تماما من انتهاك العقوبات الأميركية على إيران.

ويوضح مستشار الأمن القومي الأميركي السابق أن “ترامب سأل عما إذا كان بالإمكان الوصول إلى القائم بأعمال المدعي العام الأميركي مات ويتاكر. ثم أخبر ترامب أردوغان أنه سيهتم بالأمور، موضحا أن المدعين العامين في المنطقة الجنوبية ليسوا من أتباعه، ولكنهم من أتباع الرئيس السابق باراك أوباما، وهي مشكلة يمكن حلها عندما يتم استبدالهم بأتباعنا”.

ويصف بولتون هذا التصرف من الرئيس الأميركي بـ”الهراء” لأن “المدّعين هم مجرد موظفين مهنيين في وزارة العدل، وكانوا سينتهجون نفس الطريقة بشأن تحقيق بنك خلق في العام الثامن من رئاسة ترامب، كما كان الحال في العام الثامن من رئاسة أوباما”.

ويوضح أن الأمر “كان لو أن ترامب كان يحاول إظهار أن لديه سلطة استبدادية مثل أردوغان، الذي قال قبل عشرين عاما عندما كان عمدة إسطنبول، الديمقراطية مثل الترام. تركبه إلى المحطة التي تريدها، ثم تنزل”.

ويشير مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي السابق إلى أن “ترامب لم يكن يريد أن يحدث أي أمر سيء لأردوغان أو تركيا، وقال إنه سيعمل بجد على هذه القضية”.

واشتكى الرئيس التركي في نفس الاجتماع من القوات الكردية في سوريا، التي لم يخاطبها ترامب، ثم أثار قضية فتح الله غولن وطلب مرة أخرى تسليمه إلى تركيا.

وكان الاجتماع في الأرجنتين على هامش قمة مجموعة العشرين حيث تم ترتيبه من جانب البيت الأبيض ليكون اجتماعا قصيرا غير رسمي وقيل حينها إن ذلك عبارة عن رسالة من الرئيس الأميركي لنظيره التركي على خلفية التوتر بشأن علاقة واشنطن بأكراد سوريا. ويظهر أن أردوغان استغل ذلك الاجتماع القصير لتحقيق مساومة مع ترامب بشأن قضية بنك خلق التي تمسه بصورة مباشرة.

مساومات
كشف جون بولتون أنه قبل لقاء الأرجنتين وبعد اجتماع جمع الرئيس الأميركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين بهلسنكي في يوليو 2018 اتصل أردوغان بترامب للتحدث عن القس أندرو برونسون الذي اعتقلته أنقرة لمدة عامين ونصف العام بتهمة إقامة علاقات مع حزب العمال الكردستاني وفتح الله غولن.

ويشير إلى أنه خلال هذا الاتصال أثار الرئيس التركي موضوعا مفضلا آخر نوقش كثيرا مع ترامب وهو إدانة محمد أتيلا المسؤول الكبير في بنك خلق التركي الحكومي بتهمة الاحتيال المالي والتحايل على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

ويوضح بولتون أن هذا التحقيق الجنائي هدد أردوغان نفسه بسبب مزاعم بأنه وأسرته استخدموا البنك من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية.

ويقول إنه “بالنسبة لأردوغان كان غولن وحركته مسؤولين عن الاتهامات التي تم توجيهها إلى بنك خلق، وكان كل ذلك جزءا من مؤامرة ضده ناهيك عن الثروة المتزايدة لعائلته”، ويضيف أن أردوغان أراد إسقاط قضية بنك خلق “وهو أمر غير مرجح الآن بعد أن غرقت النيابة الأميركية في عمق تحليل عمليات الاحتيال التي يقوم بها البنك”.

ويرى المستشار السابق للأمن القومي الأميركي أن “أردوغان شعر بالقلق من التشريع في الكونغرس الذي سيوقف بيع طائرات إف-35 إلى تركيا بسبب شراء أنقرة لنظام الدفاع الجوي الروسي إس – 400”.

وكان الرئيس التركي يراهن على شراء المنظومة الروسية لكسب ود نظيره الروسي في الملف السوري الأمر الذي جرى عكسه تماما، إضافة إلى توتير علاقاته بواشنطن على أكثر من صعيد وفشله بالمقابل في الحصول على طائرات إف – 35 المتطورة والخارقة

لم تفلح محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العام 2017 لإقناعه بتسليم رجل الدين التركي فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016، والتي استغلها أردوغان لتصفية خصومه السياسيين والزج بمئات الآلاف منهم في السجون.

ويقول مستشار الأمن القومي الأميركي السابق عن تلك المحاولات التركية إن “ترامب افترض أن غولن سيعيش ليوم واحد فقط إذا عاد إلى تركيا. ضحك الأتراك، وقالوا إنه لا ينبغي لغولن أن يقلق، لأن تركيا لا تطبق عقوبة الإعدام”، ويضيف أنه “لحسن الحظ انتهت المحادثات الثنائية بعد ذلك بوقت قصير. لم نتوقع سريان الأمور بشكل جيد من وراء هذه العلاقة الحميمة المتجددة في ظل وجود زعيم أجنبي استبدادي آخر”.

ويظهر كتاب جون بولتون مساعي محمومة من الرئيس التركي لتحقيق مقايضات ومساومات مع نظيره الأميركي من خلال ملفات بنك خلق وفتح الله غولن والقس الأميركي أندرو برونسون، الذي أطلق سراحه بعد تزايد الضغوط الاقتصادية الكبيرة على الاقتصاد التركي.

وتكشف تلك المحاولات عن مدى حاجة أردوغان لنظيره الأميركي لحل الكثير من القضايا المتعلقة ببلده وذلك خلافا لما كان يبديه من “تصعيد” كلامي يهاجم فيه الإدارة الأميركية وإجراءاتها المختلفة ضد نظامه.

وتعد قضية المحتجزين الأميركيين لدى أنقرة على إثر محاولة الانقلاب الفاشلة من أبرز أسباب توتر العلاقات بين البلدين، إضافة إلى ملف الصواريخ الروسية والملف السوري.

ويروي بولتون في الصفحة 185 من كتابه أن ما أراده ترامب من نظيره التركي كان محدودا للغاية بشأن قضية القس برونسون ويتمحور حول سؤال وحيد: متى سيتم إطلاق سراحه وعودته إلى أميركا؟ وهو ما ظن أن أردوغان قد تعهد به من قبل.

ويشير إلى أن ما جرى في الحوار بينهما أن “أردوغان قال إن برونسون لم يعد مسجونا ولكن قيد الإقامة الجبرية في إزمير بتركيا. ورد ترامب على ذلك بأنه يعتقد أن هذا غير مفيد، لأنه كان يتوقع أن يسمع من أردوغان أن برونسون سيعود إلى

ويستكمل بولتون في سرد تفاصيل المحادثة بين ترامب وأردوغان بأن الرئيس الأميركي شدد على صداقته مع نظيره التركي لكنه أشار إلى أنه سيكون من المستحيل له إصلاح المشاكل الصعبة التي تواجه العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا ما لم تتم إعادة برونسون. وعلى ضوء الموقف التركي من هذه القضية نقل بولتون عن ترامب قوله “إن أردوغان أخبره أن برونسون لن يعود لوطنه” وكنتيجة لذلك قال ترامب إن هذا هو السبب الذي سيمنع أي طرف من العمل مع أردوغان، خاصة لأن المجتمع المسيحي الأميركي بأكمله يشعر بالاستياء بشأن قضية هذا القس”.

وأطلق سراح القس أندرو برونسون في أكتوبر العام 2018 بعد عامين قضاهما في السجن بتركيا، وذكرت تقارير صحافية حينها أن هناك صفقة عقدت بين الإدارة الأميركية والنظام التركي مقابل التوقف عن قضية بنك خلق. لكن القضاء الأميركي واصل تحقيقاته الجنائية في قضية البنك التركي.

وأعيد فتح الملف بتوجيه تهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران للبنك المملوك للدولة التركية.

ولا تزال الكثير من الملفات الشائكة التي تعكر عودة طبيعية للعلاقات الأميركية التركية في أكثر من ملف بدءا من سوريا مرورا بالوضع الداخلي التركي والتدخلات الخارجية لأنقرة التي تغذي الفوضى في أكثر من بلد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. انتهى

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار