الثقافية

البطلة جميلة بوحيرد.. قصة وطن

((وان_بغداد))
حين احتلت فرنسا الجزائر، كان التلاميذ صباح كل يوم يقفون ويهتفون “فرنسا..أمنا” إلا طالبة تختلف عنهم وتهتف “الجزائر أمنا”، حينها يُخرجها المعلم الفرنسي ويوبخها ويعاقبها بالضرب ويجبرها أن تقول فرنسا أمنا، وبدورها تصّر وتقول “الجزائر أمنا”.
وفي عام 1953 انتفض الشعب الجزائري وبدأت عمليات مسلحة ضد القوات الفرنسية المحتلة، وحينها ركضت تلك الطالبة اليافعة لتلتحق بصفوف العمل المسلح والذي يدعى (الخاوه).. وهو اسم جزائري شعبي يطلق على المقاومين الأحرار.
كانت جميلة بوحيرد في فريق فدائي نسائي مكون من ثلاث فتيات عُرفن تاريخياً باسم “جميلات الجزائر”، وهن (جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا وجميلة بوعزة).
وفي وقتها عرضت القوات الفرنسية مكافأة (100 ألف فرانك فرنسي) لمن يساعد في القبض على جميلة بوحيرد، حيث كانت تزرع العبوات للجنود الفرنسيين، وبعد مطارده دامت 3 سنوات للقبض على جميلة من قبل الجيش الفرنسي، حدثت مواجهة وأصابتها رصاصات في كتفها وسقطت على الأرض جريحة مضرجة بالدماء.
وبعد معالجتها وإيداعها السجن وتعذيبها بعدة وسائل قاسية ومنها الماء البارد والساخن والتعذيب بالصعقات الكهربائية وإطفاء أعقاب السكائر في جسمها وتعليقها من شعرها، كل ذلك لتعترف على جماعتها وتعلن أمام القوات الفرنسية أنها مخطئة ونادمة على أفعالها اتجاههم وان ما قامت به خطأ، وبدورها رفضت وبقيت تحت التعذيب 3 سنوات ومن ثم ترحيلها إلى فرنسا وهناك حكم عليها بالإعدام.
في كل صباح كانت الصحافة العراقية في تلك الفترة أيام حكم الملك فيصل الثاني، تخصص عموداً أو مقالاً عن تلك المناضلة جميلة بوحيرد، وحاول وقتها الباشا نوري السعيد التدخل بكل الوسائل لإنقاذ جميلة من الإعدام، وطلب من وزير الخارجية (محمد فاضل الجمالي) التدخل بكل ما يستطيع واستخدام كل علاقاته باعتباره من مؤسسي “الأمم المتحدة” وله تقدير عالي واحترام عند جميع الزعماء والرؤساء.
وبالفعل تحرك الجمالي على ذلك الاتجاه واقنع الكثير من الزعماء للضغط على فرنسا بخصوص قضية جميلة بوحيرد، واقنع لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لعقد اجتماع عاجل من اجل جميلة، قائلا ..”إذا أعدِمت جميلة فما الداعي من قيامنا بتأسيس الأمم المتحدة”.
وبالفعل تدخل العديد من زعماء العالم والرؤساء في قضية جميلة، وكان هناك محامي فرنسي اسمه “جاك فيرجس” هو من تولى الدفاع عن جميلة لمطالبتها بالحرية لبلادها، وفي النهاية رضخت الحكومة الفرنسية واستبدلت حكم الإعدام بالسجن المؤبد وقضت بحدود 6 سنوات في السجون الفرنسية.
وقد صدر عفواً عن جميلة بوحيرد وخرجت من سجنها تُعانق الحرية، وكان بانتظارها ذلك المحامي الفرنسي الشاب الذي أعجب جداً بشجاعتها وأبهرتهُ شخصيتها فوقع في غرامها وتزوج منها بعد أن اشترطت عليه تغيير دينه ليصبح مسلماً وغيّر اسمهُ إلى منصور وأنجب منها (مريم وليان).
تغنّى كثير من الشعراء العرب بجميلة وبطولتها، وأشهرهم نزار قباني، صلاح عبد الصبور، بدر شاكر السياب والجواهري وغنت لها فيروز أغنية (رسالة إلى جميلة).
وضمن مشروع الإسكان العام لمجلس الأعمار الملكي في عهد الملك فيصل الثاني، أطلق اسمها على احد الأحياء الجديدة شرقي بغداد باسم منطقة (جميلة الجزائرية) أو ما نعرفه اليوم باسم “حي جمـيلة”.
عادت جميلة حرة بعد انتهاء الاستعمار الفرنسي وتم تشكيل حكومة جزائرية وطنية من الشعب، وبرغم نضالها ومسيرتها الشاقة جداً رفضت الحكومة إعطاءها منصب في بسبب إن زوجها فرنسي وليس جزائري.
حينها اعتزلت جميلة بوحيرد العمل السياسي والتزمت الصمت ولم تحب الظهور إلى الإعلام، ورفضت رفضاً قاطعاً الحديث عن نضالها وبطولاتها أبان الاحتلال الفرنسي، وكانت ملتزمة بالغياب التام والاختفاء عن وسائل الإعلام والصحافة إيماناً منها بأنها قدمت ما عليها من واجب اتجاه وطنها.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار