مقالات

إدارة علاقات العمل، رؤية من منظور عصر الرويبضة (الزمالة، الصحبة، الصداقة)

بقلم ا. د مؤيد الساعدي:

يعد هذا الموضوع احد موضوعات إدارة الأعمال وبالذات إدارة الموارد البشرية، وقد أثار شجوننا نصا للاخ ا د عبد الكاظم الياسري، رئيس جامعة الفرات الاوسط التقنية السابق عن المفاضلة بين الزمالة والصداقة، ولكي ننتقل من حالة الجزم الاصطلاحي إلى حالة التوكيد الاختصاصي فان لنا رايا في ذلك

في حياتنا خارج الأسرة ومحيط القرابة تطلعنا ثلاث عنوانات، الزميل والصاحب والصديق، ولعل اي منا ومنذ السنين الأولى لا مفر له من التعامل مع البيئة الخارجية فدائرة المؤسسة التعليمية والمؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية والقانونية هي كلها بيئات مؤثرة تقع في البيئة الخارجية لحياة الإنسان، ولو اردت ان احاكي تجربة الإنسان الناضج واحدد العمر الوظيفي بعد إكمال الدراسة الجامعية معيارا للحديث وان كانت هناك صداقات تجلت وارتفعت فوق مستوى الزمالة والصحبة في أثناء مرحلة الدراسة الجامعية لترتقي مرتقى الصداقة، فإني أردت أن اعرج على سن العمل وما يليه، فالنضج يختلف وتحمل المسؤولية شيء آخر والزمالات وتدافع المصالح له وجهة نظر أخرى وهكذا دواليبك.

اريد ان اصل الى حقيقة ان هناك ثلاثة دوائر تختلف في حجومها، دائرة الزمالة ودائرة الصحبة ودائرة الصداقة، فالزمالة دائرة واسعة قد تكون في الوظيفة او في السكن او في الحي… الخ، ونحن لا نختار الزملاء بقدر مايفرضون علينا بحكم الزمكانية، فهم موجودون في بيئة العمل تربطهم بنا مصالح مشتركة في العمل بغض النظر عن الحب والكره، وتنتهي الزمالة بانتهاء الأسباب الموجبة اليها، فعلاقة الزمالة تحكمها المصلحة المشتركة في العمل، ولكن الإنسان يلاحظ ان في بيئة العمل ان هناك من تتوق له نفسه من الزملاء في الامتداد لما بعد الاحساس بالزمالة، فيجد في اشخاص بعض التطابق والتوافق في الميول والانماط فيخرجه من دائرة الزمالة إلى دائرة الصحبة، لأننا متفقين على نمط في العيش متشابه، وقيم متشابهه، ونمط حياة متشابه، وإن اختلفت الاتجاهات، ولذلك يعيش الصاحب يومه كيومي، اذن الصاحب هو زميل وضعت عنه توقعات أولية بأنه الشخص المناسب لي، الذي يتفق مع انماطي الحياتية والسلوكية والمبدئية، حتى باختلاف وجهات النظر إزاء حالة معينة.

ولكن كيف ننتقل من دائرة الصحبة للصداقة؟

اننا في وقت الضيق او الحاجة إلى تقرير المصير قد يتقلص تأثير الدوائر الأولى َالثانية، لاسيما اذا كانت الأمور تحتاج إلى مواقف رجوليه قد تدعونا للاستنجاد بالشجاعة على الجهر بالرأي او التضحية بالمال، أو اتخاذ قرار صعب او اعلان موقف إزاء حالة معينة تفقدنا جزء من علاقاتنا، أو تؤثر على مناصبنا، هنا قد ينسحب الزميل او الصاحب ولا يبقى الا تأثير الدائرة الثالثة دائرة الأصدقاء، فالصديق وقت الضيق، والصديق قبل الطريق.

اذن المشكلة في الميل نحو الزمالة او الصداقة تخص الإنسان وليس المصطلح، فالزميل ينتفي وجودة بانتفاء المصلحة، والصاحب بحكم التشابه لانماط قد يجرني إلى ما يريد ومايماثل وجهة نظرة التي قد لاتتفق مع وجهة نظري الازموية.

اذن الصديق هو حالة متقدمة في عقدها الروحي إذ يجري انتقاء البعض من الأصحاب لاختياره إلى مدى الحياة ولاتحكمة زمكانية الزمان والمكان، فقد لاترى صديقك لعشرلات السنين الا انك مشدود معه بعقد روحي ورباط مقدس، وليس كالزميل، والحقيقة التي ينبغي التركيز عليها هي أن العلاقات محكومة بقدرة الإنسان على التصنيف والاختيار، فدائرة الصحبة تعد من اخطر الدوائر إذ ان الاختلاف مع الصاحب قد يرجعنا من دائرة الصحبة إلى دائرة الزمالة او العكس إلى دائرة الصداقة، وهي دائرة حساسة لان صفات الصاحب قد تؤثر في صفاتك فالصاحب ساحب كما يقول المثل وهو قرين خير أو قرين سوء لاسامح الله (لا تسأل عن المرء واسأل عن قرينه ان القرين بالمقارن يهتدي).

ان الصاحب وكما وردت في القرآن الكريم لايراد بها المدح اطلاقا، لاحظ سورة يوسف الآية 39 (ياصاحبي السجن… الخ) من كان مع يوسف ع في السجن المشركين وغير المؤمنين، لاحظ سورة التوبة كذلك الآية 40 إذ يقول لصاحبه… الخ، وسورة سبأ الآية 46 ما بصاحبكم من جنه، وسورة النجم ماضل صاحبكم… الخ، فالمصاحبة جاءت مصاحبة لغوية وليست مصاحبة ايمانية او عقائدية في أغلب مواضعها، على هذا نخلص إلى ان اكثر من نصف عمر الإنسان يقضيه في الزمالة ولا يمكن أن يتخلى عنها بسهولة ونقصد بها هنا الوظيفة التي تستند إلى مصلحة مشتركة يكون عقل الإنسان فيها هو الحاكم في الانتقاء من بين الزمالة الى الصحبة واما من الزمالة إلى الصداقة.

ولعلك تحترم علاقتك بزميل عمل تنفيذي بسيط ولاتحترم علاقتك برئيسك، فوصي رسول الله ع يقول (اعلم ان أكثر الناس عداوة إليك هو رئيسك لانه اكثر معرفة من انك أحق منه بالرئاسة)، فربما من الزملاء من يرتقي مرتقا صعبا في حياتك على بساطته، وربما رئيسك لا يعدو ان يكون الا زميل زمان ومكان محدد.

ان جل انتقادنا للعلاقات الوظيفية اليوم لكونها علاقات مصلحة وعلاقات زائفة لاتحكمها المبادئ بقدر ماتحكمها المصالح، فالرؤساء في جلهم يختارون الأقرب إليهم ولمصالحهم كما انهم يختارون من يمدحهم ويمجدهم وينسب كل شيء حسن إليهم، فهذا ديدن المؤسسات التي تمجد الشخص وليس الاكفا والاجدر بحسب ضوابط الوظيف العامة، لاسيما في اطار بيع المناصب، وسوء الإدارة السائد في العراق، ولعل من نافلة القول لو خليت قلبت فكم من زميل اليوم في حياتنا يرتقي لمرتقى الأخ، ولعلنا نادمين على مصاحبة وزمالة من لم نرغب بهم لولا ظروف الوظيفة العامة.

ان الاقتراب من السلطان ابتعاد عن مرضاة الله حسب ما جاء على لسان الإمام الرضا ع، ومن كثر اتباعه كثرت شياطينه، لذلك نلاحظ حجم التمجيد للشخص عندما يكون بدائرة المسؤولية، وعند الخروج من هالة المسؤلية يحاول الانتقاد والاقتراب من الكمال، فعلاقات الوظيفة اليوم تشهد قمة الملق والزيف ، والدليل محاربة الكفاءات ومحاولة التخلص منهم، ومحاربة ذوو القيم والمبادئ، انه عصر الرويبضة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار