مقالات

رجل مغترب يقول رمضان مات

((وان_بغداد))
بقلم حسن النصار
لم أر خلال حياتي رمضان قد أتى حزينا الا هذا اليوم ، فالشوارع خاوية والمساجد مهجورة ، والناس تتباعد عن بعضها أمتار ، وكأن الجميع قد أصيب في مرض الجذام ..
رغم ان رمضان في بلاد المهجر يأتي غريبا بطبعه، لكنه لايخلو من المتعة والأنس، اذ يتجمع المسلمون بكل اصنافهم وسلوكياتهم وطباعهم في هذا الشهر المبارك، وتراهم يهرعون الى المساجد وان كان بعض منهم لايؤدي الطقوس في الوضع المعتاد ..
لقد عاصرت رمضان في اماكن عدة ، وكل مكان له نكهة خاصة ، ففي ايام الدراسة كانت مدينة (الكاظمية ) مكان تجمعنا، وبعد صلاة المغرب، تفترش المدينة الساحرة على ارصفتها ومحلاتها المتزاحمة انواع من الشراب اللذيذ مثل عصير ( النومي بصرة ) وعصير ( البلنكو) والذي كان مظهره لايعكس طعمه اللذيذ، فقد كان احد الصحبة الظرفاء يطلق عليه عصير الدود او عصير القمل ..
فيطلق مقولته بسخرية ( تعالوا اشربكم ، عصير كمل ) ..
لايفقد رمضان سحره وجماليته في البعد وفي المعسكرات وحتى في السجون، فقد كان التجمع البشري له نكهته الخاصة، بل يتألق المسلم في تلك الليالي العظيمة فينسلخ تماما من عالمه المادي الى عالم مثالي يزهو بالأيمان والسمو..
في صنعاء اليمن كان رمضان من اروع ما يكون اذ تبقى المدينة الطيبة حتى الفجر تعج في الحركة والحياة ولا تخمد الا في ساعات النهار ، فتتحول الشوارع الى شوارع قفراء من الناس والحركة ..
اليوم شعرت ان رمضان قد مات في الكورونا ، وقد خيم الحزن على وجوه الناس ، قرأت ذلك حينما ذهبنا الى المجزرة لشراء اللحم الحلال ، وقفنا في طابور طويل يفصل بين الواحد والأخر متر ونصف متر ..شعرت ان المسافة اكبر من ذلك ، بل كأنها مابين الأرض والسماء ..
الوجوه الحزينة احجمت عن الكلام ، خشية ان ينسحب الى احاديث ، فتقترب الأجساد دون وعي ، بينما يقف رجل البوليس متربصا كالقط المتوحش كي يكسب الغرامات ..
عدت الى بيتي في غمامة ثقيلة من الحزن ، وانتابني شعور جثم على صدري لساعات وأنا أفكر مع نفسي واقول ..
– ان رمضان قد مات ، وها نحن نعيش اول أيام رحيله الى الأبد ..

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار