المحليةمقالات

العلاقات والنظام العالمي ما بعد كورونا ومصير التحالفات والاتحادات والتدخلات إلى أين؟ والتحولات والتطورات في البحوث والاستخبارات والعسكرة

بقلم الدكتور وفيق السامرائي :
الصدمة التي أحدثها وسيحدثها فيروس كورونا فاقت حتى الحروب العالمية رغم أن خسائرها البشرية أقل كثيرا؛ لأنها أحدثت فزعا واقعيا واستنفرت جهود البشرية كلها لصد الوباء وتسخير كل الموارد لحماية الحياة.
لم نقرأ كثيرا عن الأوبئة التي مرت بها البشرية؛ لأن الإعلام والتوثيق كانا معدومين قياسا بالقدرات الحالية. لكن، كنا نسمع قبل نحو ستين عاما، ولا نعرف مدى صحة ذلك، أن نفوس العراق ضمن نطاقه الحالي في زمن العباسيين قبل أكثر من ألف عام كانت أربعين مليونا، وبسبب تعرض المنطقة للأوبئة أصبحت نفوسه وفق إحصاء 1958 نحو سبعة ملايين، ولم تكن مستشفيات وقدرات طبية وتوجيه وقدرات مالية كما هو الحال اليوم. ثم حدثت أوبئة (فتاكة) في العالم كان آخرها قبل مئة عام، فالأوبئة ليست محددة بمنطقة دون أخرى.
وحتى في منطقة الشرق الأوسط الحديث، لم تكن الحرب البيولوجية بعيدة عن تفكير وخطط وبرامج دول معينة تحكمها أنظمة غير مدركة للمخاطر التي تترتب على هذا التوجه، وكانت هذه التوجهات إحدى أسباب إسقاط صدام، فلم يدرك أن توجهه البيولوجي أخطر حتى من البرامج النووية أضعافا، ولم يدرك أن استخدامها سيقابل برد نووي شامل لا يبقي حجرا على حجر.
ولنأخذ بعض المحاور المهمة باختصار:
1. تأثيرات كورونا حاليا ومستقبلا على الاقتصادات العالمية ستكون كبيرة جدا، وسيكون قطاع النفط من أكبر المتضررين، ورغم محاولات إنقاذ أسعاره سيكون مستحيلا عودتها إلى ما فوق المئة دولار، وسيكون (40 – 60) دولارا هدفا مثاليا للمنتجين. والحقيقة أن حروب صدام والفكر البعثي الصدامي بمحاربة استثمار عائدات النفط الفائضة خارج العراق كانت سببا حاسما في التفاوت الهائل بين اقتصادات دول غرب الخليج والعراق.
ولم يعرف مصدر كورونا وإن كان طبيعيا أم تسربا (غير متعمد) من مختبر جرثومي، وهذا من اختصاص أجهزة البحث والاستخبارات وليس وقته الآن؛ لأن العالم لا يتحمل توترات كهذه، بل يتطلب تعاونا في المكافحة والعلاج لحماية الحياة.
2. ضعف روح التضامن العالمي في مساعدة الدول الأكثر تضررا والدول الفقيرة سيترك أثرا شديدا وإن كان تدريجيا على التحالفات الدولية والاتحادات، إلا أن دول الإتحاد الأوروبي ستكون مضطرة للإبقاء على نمط من الاستمرارية طمعا في التخصيصات المالية غير الممكنة من أطراف أخرى، وعشرات حمولات المساعدات في الطائرات الروسية والصينية وإن كانت مهمة حاليا، لاتشكل إلا رقما بسيطا جدا ولا يذكر مقابل ما ينتظر من مئات بلايين اليوروات الأوروبية. وهذه هي نقطة الفصل وليس التحالفات العسكرية والتهديدات الخارجية.
3. أثبتت محنة كورونا أن التضامن العربي لا وجود له، خصوصا بين الدول الثرية والدول ذات الموارد المحدودة، وسيترك هذا الجفاء أثرا شديدا على مستقبل العلاقات إن لم يجر تداركه.
4. سيكون التحكم الدولي الأميركي مستحيلا عمليا، نتيجة الصدمة التي تعرضت لها أميركا وعدم مد يدها لتقديم المساعدات لأحد مع انها خصصت ترليونات الدولارات لمعالجة وضعها الداخلي، وسيكون ضعف دورها كبيرا بعد أن فقدت تأثيرها الكبير في مجلس الأمن بسبب الندين الروسي والصيني.
5. ستضطر أميركا إلى تقليص موازنتها العسكرية الخيالية البالغة أكثر من (750) بليون دولار سنويا لمعالجة الوضع الراهن ولغرض مراكز بحوث حتمية عن أوبئة المستقبل وليس كورونا وحده، وهذا ينطبق على دول كثيرة.
6.يخطئ من يتصور أن المرحلة باتت مفتوحة أمام تحكم صيني بقيادة ومصير العالم؛ لأن توجها كهذا سيقود إلى صدامات مدمرة وحروبا باردة شديدة. وستخسر الصين بشدة اقتصاديا جراء درس ضرورة تنمية الدول الكبرى الأخرى لصناعاتها الاستهلاكية الصغيرة، فالدول الآن بحاجة لحماية مصانعها وأسواقها من الإغراق الصيني، وحماية المُستَهلِك لا تتم من دون حماية المنتج المحلي للدول الرئيسية..
7. أمن البشرية الآن يتطلب تركيز البحوث للحصول دواء ولقاح ضد كورونا، فمن دونهما لا أمن ولا اطمئنان، ولكن من الضروري جدا تشديد النظام الدولي على مراقبة النشاطات البيولوجية، وأن تكون أجهزة الاستخبارات منتبهة لمخاطر سلوك الإرهابيين ومراقبة النشر بهذا المجال.
8. ستعيد أميركا استراتيجية انفتاحها الخارجي وتقليل جوانب التدخل، وهذا سيغير كثيرا من المعادلات الإقليمية عموما وفي الخليج تحديدا.
9. ستحاول دول خليجية طي صفحة تدخلاتها العسكرية والاستخباراتية في دول عربية وسينكفأ دورها في العراق، وسيظهر تصادم مصالح أشد بين تركيا وإيران وجنوب غرب الخليج.
كل شيء سيتغير ولكن تدريجيا.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار