الثقافية

الاوبئة فى الادب العالمى

اعداد : محمد الطواب – مصر:
حرص بعض النقاد على تسمية بعض الاعمال الادبية التى تناولت فى احداثها ظهور بعض الاوبئة التى اجتاحت العالم فى فى بعض الاوقات ، حرصوا على تسمية هذا النوع من الادب و صنفوه بأنه ” ادب الاوبئة ” و ان كنت لا اميل الى استخدام هذا المصطلح و لكن الذى لا يمكن اغفاله هو تأثير هذه الاوبئة على الفكر الانسانى و المعاناة الجماعية الشديدة و الالام التى صاحبت ظهور هذه الاوبئة من فقد للاحبة و الاصدقاء او الاقارب و انعكاس كل هذه المشاعر الانسانية و التى فى النهاية افرخت لنا اعمال ادبية خالدة نال معظمها من الشهرة مالم تحققة روايات و اعمال ادبية اخرى دارت احداثها فى ظروف عادية و ركت هذه الاحداث او الاوبئة خيال و مشاعر الادباء و الفنانين و الشعراء و لكن التأثير الاكبر كان على الادب بشكل خاص فظهرت لنا عدة كتابات و روايات شهيرة لما للرواية من قدرة على السرد و الوصف و الاسهاب فى نقل المعاناة الانسانية التى مر بها الانسان خلال هذه الفترات التى مر بها تاريخ البشرية و سنحاول التعرض لبعض هذه الاعمال الخالدة و نبدء من عند اديبنا العالمى صاحب نوبل فى روايته “الحرافيش ”

” الحرافيش ” نجيب محفوظ

فقد كتب نجيب محفوظ روايته الحرافيس عام 1977 و تحدث فيها عن الوباء الذي قضى على كل حارات مصر و قضى على أهلها، وتركها خرابا الى قضى على معظم سكان الحارات . ولم ينج منهم الا عاشور الناجي الذي استطاع الهروب من الوباء بأهلة الى الخلاء فى حجر صحى اختيارى حتى اذا عاد الى الحارات مرة اخرى بعد انتهاء الوباء ليجدها خاوية على عروشها و خالية من اصحابها فأختاربيتا من بيوت الأعيان و أجملها واتخذه بيتا واصبح كبير الناس و سيدهم بعد أن جاء سكان جدد من اماكن لا يعرفون شيئا من تاريخه القديم و كل ذلك كان من اثر الوباء .
و يقول نجيب محفوظ فى روايته واصفا هول المشهد و اثار الوباء و كأنه يصف ما يفعله كورونا هذه الايام فى بعض البلدان التى فقدت السيطرة عليه فيقول :
. «تفاقم الأمر واستفحل. دبت في ممر القرافة (المقابر) حياة جديدة…يسير فيه النعش وراء النعش… يكتظ بالمشيعين. وأحيانا تتتابع النعوش كالطابور. في كل بيت نواح. بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد… لا يفرق هذا الموت الكاسح بين بين غني وفقير، قوي وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل. إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء. وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار ولهجت أصوات معولة بالأوراد والأدعية والاستغاثة بأولياء الله الصالحين.

“طاعون” ألبير كامو

و الرواية الثانية التى نعرض لها هى ” الطاعون ” 1947للكاتب الفرنسي الجزائرئى المولد ألبير كامو او البير كاميه كما يسميه البعض و قد حققت نجاحاً كبيرا على مستوى فرنسا و العالم اجمع و تدور احداثها فى مدينة وهران الجزائرية خلال أربعينيات القرن الماضى حيث كانت الجزائر فى قبضة الاستعمار الفرنسي، حيث دارت أحداث الرواية شبه الواقعة او التى مزج فيها كامو الواقع بالخيال . لأن فى الحقيقة لم تتعرض وهران بحسب تاريخها الطبى لمرض الطاعون الذى ذكره كامو فى روايته في تلك السنوات و لكنها تعرضت لعدوى أخرى كانت انتقلت من العاصمة الجزائرية. والثابت تاريخيا أن وهران كان قد اجتاحها الطاعون في القرن الثامن عشر خلال الاحتلال الإسباني. اى قبل رواية كامو بما يقرب من القرن و لكن كامو اراد ان يتخذ من وهرتان مسرحا لاحداث روايته ، حيث جاء فيها ان وهران بدأت تشهد انتشار وباء الطاعون الذي ضربها وأوقع فيها ضحايا كثراً وعزلها عن الجوار. و يكتشف الدكتور برنار ريو، أحد أبطال الرواية، أن حارس المبنى الذي يقطنه أصيب بمرض لم يلبث أن قضى عليه. ثم يفاجأ الدكتور بشخص يدعى ” جوزيف جران ” يزوره في عيادته ليعلمه بأن أعداداً كبيرة من الفئران نفقت في شوارع وهران هذا الشخص نفسه هو أول شخص يشفى من الطاعون بعد إيجاد دواء له. على أثر هذه الظاهرة تقرر السلطات، بعد تردد، إغلاق المدينة وعزلها من أجل منع الوباء من التفشي. وعندما يسود الهلع يقرر الصحفي الفرنسي الذي يدعى “ريمون رامبر” ، مغادرة وهران إلى باريس. أما كوتار فيجد حافزاً للبقاء ليواصل نشاطه غير القانوني في مثل هذا الجو المبهم، ويصاب في الختام بالجنون. وبعدما أحدث المرض حالاً من الخراب المادي والاجتماعي في المدينة يتم اكتشاف اللقاح الملائم. الرواية رغم كونها رمزية الا انها ذات بعد سياسي، فالطاعون هنا إنما كان يرمز إلى النازية التي كانت بدأت تنتشر، وليست مقاومة المرض سوى مقاومة لهذا الوباء الهتلري المتفشي في ألمانيا وأوروبا. ويقول كامو عن الرواية: “رواية الطاعون، تُقرأ على مستويات عدة، تحوي مضموناً واضحاً هو معركة المقاومة الأوروبية ضد النازية”.

“الطاعون في نيويورك” للكاتبين جينيث كرافنوس وجون مار

و هاهى رواية اخرى تتحدث عن مرض الطاعون و هى رواية “الطاعون في نيويورك” للكاتبين جينيث كرافنوس وجون مار و هى رواية تطرقت إلى مرض الطاعون و مزجت ايضا بين الحقيقة والخيال حيث يتخيل الكاتبان أن الطاعون يحل على مدينة نيويورك من خلال بطلة الرواية التى تعود من إجازتها في كاليفورنيا إلى شقتها الفخمة في بارك إفينيو فى نييورك ، لتكتشف اصابتها بالسعال الحاد و يتم نقلها إلى المستشفى. وما أن يُكتشف ان مرضها هو “الطاعون ” حتى يبدأ في الانتشار و التفشي في منطقة مانهاتن. هنا يبدأ دور الأطباء والممرضين الذين يعلنون حال طوارئ لمواجهة الزائر القاتل. و كما صنفها النقاد بانها ليست رواية من روايات الخيال ولا من الروايات السياسية التخييلية الرمزية كراوية كامو بل هي رواية كل غايتها فضح هشاشة الأمن الصحي في أميركا والعالم الحديث.

الحب في زمن الكوليرا – الكولومبى ” جابريال جارثيا ماركيز”
فى رواية جابريال جارثيا ماركيز “الحب في زمن الكوليرا”. يتم تناول وباء الكوليرا تناولا طريفاً وغير مأسوي في فوباء الكوليرا هنا لم يكن وباءا حقيقيا بل كان مجرد خدعة أو حيلة دبرها بطل الرواية ليستفرد بحبيبته على متن مركبة نهرية، بعدما طاردها لسنوات وعقود ، وبعد ان بلغ كلاهما من العمر عتيا . إنها رواية حب بين ” فلورينتيو وفرمينا ” بدأت منذ ان كانا فى سن المراهقة، واستمرت إلى ما بعد بلوغهما سن السبعين ، و تدور الاحداث ممزوجة بما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وما استجد من تحولات في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والحياة عموماً.
و ملخص الرواية انه في نهاية القرن التاسع عشر وفي قرية صغيرة في الكاريبي، يتفق عامل تلغراف فقير وتلميذة جميلة على الحب مدى الحياة والزواج … لكن الحبيبة تخون الوعد وتتزوج من طبيب. يحافظ العاشق المهزوم على حبه ويسعى إلى تكوين ثروة حتى يكون جديراً بحبيبته، التي لم يكف عن حبها طوال تلك الأعوام. يصر “فلورنتينو “على تحقيق هدفه في الزواج من ” فرمينا” أياً كان الثمن. ولكن بعد وفاة زوجها الطبيب وكان كلاالحبيبين قد بلغا السبعين، كتب “فلورنتينو ” لحبيبته رسائل تتحدث عن الحب والحياة والزواج والشيخوخة وظل يرى فيها الحبيبة على الرغم مما فعل بها العمر.
و المشاهد الأخيرة في الرواية تدور خلال رحلة في مركبة نهرية يملكها “فلورنتينو” بعد ان اصبح ثريا و دعا إليها حبيبته فوافقت، و يقتربا من بعضهما مرة اخرى وتدرك بأنها تحبه فعلاً على الرغم من شعورها بأن عمرها لم يعد صالحاً للحب. و حتى ينفرد “فلورنتينو ” بحبيبته و لكى يعيش لحظات جميلة من الحب يريدها ان تطول اكبر قدر ممكن ، فيريد ان يتخلص من المسافرين على متن السفينة بتدبير خدعة اشاع فيها أن السفينة تحوي وباء الكوليرا. و بالفعل يهرب ركاب المركب من الموت المحقق او الوباء و تستمر المركب كحجر او عزل طبى متحرك تستمر في عبور النهر ذهاباً وايابا رافعة علم الوباء الأصفر ولا ترسو على الشاطئ ابدا إلا للتزود بالوقود. لكن الخدعة لم تمر بسهولة بين الناس بل أحدثت حالاً من الذعر في المدينة.

الكوليرا في البندقية او “موت في البندقية” للكاتب الألماني توماس مان

و لازلنا امام وباء الكوليرا الذى تناولته عدة أعمال روائية ، ونعرج على رواية اخرى هي “موت في البندقية” للكاتب الألماني توماس مان وقد صدرت 1922 و قدمها المخرج الإيطالي “لوتشيانو فيسكونتي ” إلى السينما في فيلم يحمل العنوان نفسه. بطل الرواية “جوستاف فون أشينباخ ” و هو كاتب ألماني معروف من ميونخ ، في الخمسين من عمره ، يقوم برحلة بعد إصابته بحال من الاضطراب، إلى الشاطئ الأدرياتيكي، تنتهي به في البندقية، المدينة التي لم يشعر يوماً بارتياح إزاءها. في فندق ليدو يكتشف الكاتب الخمسيني “تادزيو” ، و هو فتى بولوني يجذبه بل يفتنه بجماله النضر. يتكتم الكاتب عن حبه المثالي هذا، لكنه لا يلبث أن يسعى وراء الفتى ومطاردته سراً في شوارع البندقية. وبينما يتفشى في المدينة مرض الكوليرا، يصاب أشينباخ بحال من الكآبة ثم تعتريه الحرارة ولا يلبث أن يموت جراء إصابته بوباء الكوليرا. يموت على الشاطئ محدقاً بعينين رقيقتين إلى الفتى، رمز الجمال المثالي، في مشهد رائع وظفه فيسكونتي في فيلمه توظيفاً جمالياً فائقاً. وباء الكوليرا هنا هو حافز على الموت بصفته مادة إغراء وخلود، بل بصفته رغبة في الموت. قصد مان بموت اشنباخ انحلال البرجوازية في ألمانيا عندما تظهر مكونات اجتماعية جامحة تؤدي إلى انفلات البرجوازية، كتب توماس مان هذه الإقصوصة تحت تأثير فلسفة كل من شوبنهاور ونيتشه.

” العمى ” … الكاتب البرتغالى ” ساراماجو”

من أغرب الروايات التى تناولت الوباء محورا لاحداثها رواية “العمى” للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماجو، والمستغرب فيها تحديداً، جعله العمى مرضاً وبائياً ينتشر بسرعة في البلاد على غير الحقيقة حيث يجد أحد الأشخاص نفسه أعمى فجأة داخل سيارته، ثم يصاب سارق سيارته ثم الطبيب الذي فحصه في عيادته. لا تلبث العدوى أن تنقتل إلى جميع السكان، فيصابون بالعمى ولا تنجو سوى امرأة وحيدة، من هذا المرض الذي يسميه ساراماغو “البياض المشع”.
و نتيجة لهذه الكارثة تبادر الدولة إلى حجر المرضى، لكن الفوضى واللامبالاة تزيدان من انتشار الوباء، ويضطر الحراس إلى تهديد المصابين بالقتل فوراً إذا حاولوا الفرار من محاجرهم الصحية . الرواية رمزية مجازية في المفهوم السياسي والاجتماعي، و الرواية تدور احداثها فى الامكان و حتى اللا زمان فلم يحدد ساراماجو البلاد التي تصاب بالوباء وجعل الناس كلهم بلا اسماء و وضعهم كلهم في صفوف الضحايا ما عدا امرأة واحدة هي زوجة الطبيب، وهي تطرح على نفسها سؤالاً وجودياً: “ماذا يعني أن يكون للإنسان عينان في عالم كل الآخرين فيه عميان؟”. وقد يكون هذا السؤال خير مدخل لقراءة أبعاد هذه الرواية الرمزية الغريبة تماماً. و قد خلص فى النهاية الى ، ما أصعب أن يكون المرء مبصرًا في مجتمع من العميان.

رواية ” عيون الظلام ”
ووهان الصين في رواية أميركية صدرت عام 81

فى الايام القلية الماضية ثارت ضجة كبيرة على كل وسائل التواصل الاجتمتاعى حول رواية بعنوان “عيون الظلام” لكاتب اأميركي يدعى” دين كونتز” صدرت في عام 1981 أي منذ 39 سنة، وفيها يحكى الكاتب عن ظهور فيروس شبيه بـ ” الكورونا ” التى ضجت مضاجعنا و طيرت النوم من اعييننا و اعيت الكثيرين و قضت على مثات الالف حول العالم و الاغرب ان الاحداث ايضا تدور تحديداً في مدينة “ووهان الصينية” ، التي انطلقت منها شرارة العدوى فى انتشار الوباء الراهن القاتل “كورونا ” و الكل يتسائل هلى ورود اسم مدينة وو هان فعلاً مصادفة ، والاكثر غرابة ان الكاتب اختلر العام 2020 لظهور هذا الوباء كيف تتوافق المصادفات مع الواقع بمثل هذه الدقة ؟!! ، و تفاصيل الرواية توغل في الخيال و الذى يبرع فيه الكاتب و يعد أحد رواده في العالم.
لكنّ الرواية تؤكد ما تزعم به الولايات المتحدة الأن من ان المرض قد قام بتخليقه او تصنيعه علماء صينيون في مختبرات تابعة للجيش الصيني، و أوجدوا هذا الفيروس في سياق برنامج الأسلحة البيولوجية في الحروب بين الشرق و الغرب و يسمي المؤلف الفيروس بـــ “ووهان – 400″، و يصفه بأنه “السلاح المثالي” جراء تأثيره البشع في البشر، فهو لا يبقى خارج جسم الإنسان أكثر من دقيقة، لكنه شديد العدوى وقادر على الانتقال من جماعة إلى أخرى، ومن بلاد إلى أخرى. يالها من مصادفات تخرج عن قدرات العقل و المنطق و ربما يوما ما يتحقق العالم من بعض الحقائق الى سردها الكاتب فى روايته .
والرواية في سياقها السياسي تريد ان تشيع بأن الصين دولة تعتمد فى سياستها الحرب البيولوجية الوبائية. و كأن امريكا تريد بذلك ان تدفع عن نفسها تهمة تخليق الاسلحة البيلوجية و تريد الصاق التهم بالاخرين. ليس هذا فقط و لكن ايضا تتخذ من هذا ذرائع للعدوان و الاحتلال لبلاد الاخرين مثلما فعلوا فى العراق و غيرها من الدول فى الشرق الاوسط .
ايا كانت الحقيقة فكل ما نعرفه هو اننا بصدد وباء قاتل لا يعلم مصدره الا الله و ندعو الله ان يجنبا هذا البلاء و الوباء الذى بات يهدد البشرية بالفناء و ان حدث ذلك لاقدر الله فسوف يكون نتيجة لعبث البشر و اطماعهم و فسادهم .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار